FINANCIAL TIMES

تداعيات الوباء .. توتر وقلق وانهيار عصبي أغلب ضحاياه من النساء

تداعيات الوباء .. توتر وقلق وانهيار عصبي أغلب ضحاياه من النساء

الوباء يؤثر بشكل غير متناسب على النساء العاملات بسبب تمثيلهن المفرط في الوظائف غير المستقرة.

كانت مايا في إجازة أمومة عندما تفشى الوباء، لكن في غضون أشهر من عودتها إلى العمل في تموز (يوليو)، كانت مستشارة تكنولوجيا المعلومات التي تعمل في لندن وأم لطفلين صغيرين في نهاية قدرتها على الصبر.
أخذت إجازة لبضعة أسابيع وقلصت ساعات عملها، لكنها استمرت في المعاناة. قالت لفاينانشيال تايمز: "أشعر أنني على وشك الانهيار وأكاد أترك مسيرتي المهنية".
يشير استبيان عالمي لقراء فاينانشيال تايمز إلى أنها بعيدة كل البعد عن كونها وحيدة. وجد الاستطلاع أنه في الوقت الذي يضطر فيه الوباء الآباء والأمهات على القيام بعمل مستحيل للتوفيق بين العمل ورعاية الأطفال، فإن اثنتين من كل خمس أمهات عاملات يتخذن، أو يفكرن في اتخاذ، خطوة إلى الوراء في العمل.
كانت نسبة الآباء الذين يتطلعون إلى تقليل أعباء العمل أقل عشر نقاط مئوية من بين نحو 400 مشارك استجابوا في النصف الثاني من شهر شباط (فبراير).
أوليفيا، ليس اسمها الحقيقي، استقالت من وظيفتها مديرة منتجات من أجل رعاية أطفالها الثلاثة حتى يتمكن زوجها من حماية وظيفته ذات الأجر الأعلى. جو، أم لطفلين، سرحت نفسها طوعيا من منصبها كبيرة الإداريين التنفيذيين بعد تعرضها لانهيار عصبي. قالت: "أعتقد أن أعواما من التقدم إلى الأمام من أجل النساء العاملات ستتفكك بسبب هذا".
هذه النتائج تعزز أدلة متزايدة على أن الوباء يؤثر بشكل غير متناسب في النساء العاملات بسبب إغلاق المدارس وتمثيلهن المفرط في الوظائف غير المستقرة - ويمكن أن يزيد الفوارق بين الجنسين لفترة طويلة بعد انتهائه.
أغلبية المستجيبين كانوا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، لكن آخرين عرضوا وجهات نظرهم من أوروبا والهند ونيجيريا وآسيا والمحيط الهادئ. لم يرغب كثيرون في الكشف عن أسمائهم الكاملة أو بياناتهم الشخصية خوفا من التداعيات المهنية.
على الصعيد العالمي، واجه 90 في المائة من أطفال المدارس إغلاقا في ذروة اضطرابات كوفيد - 19، ما ترك أفراد الأسرة لرعايتهم في المنزل خلال جزء كبير من العام، وفقا للأمم المتحدة.
تحذر فرانشيسكا كاسيلي، وهي اقتصادية لدى صندوق النقد الدولي، من "اتساع محتمل لعدم المساواة بين الجنسين، لأن النساء يمكن أن يعرضن فرص عملهن للخطر إذا اضطررن للبقاء في المنزل لرعاية الأطفال".
كثير من الآباء أصبحوا أكثر انخراطا في المسؤوليات المنزلية، لكن تقسيم العمل المنزلي تراجع أثناء الأزمة إلى حد كبير عن الأنماط القديمة. كان احتمال تفكير النساء اللواتي يشغلن مناصب عليا أكثر 1.5 مرة من الرجال من حيث تخفيض مستواهن المهني أو ترك القوة العاملة بسبب كوفيد - 19، وفقا لشركة ماكينزي.
قالت فيث، وهي أم تعمل في صناعة التكنولوجيا في الولايات المتحدة: "باعتباري أما، هناك توقع غير معلن بأنه من المفترض أن أكون من يتولى التعليم، على الرغم من أنني المعيل الرئيس". أضافت: "قدرتي على المشاركة في مكان العمل أعيدت إلى أوضاع الخمسينيات من القرن الماضي".
عدم التوازن بين الجنسين في رعاية الأطفال والعمل المنزلي هو جزئيا دلالة على حقيقة أن النساء أكثر عرضة لأن يعملن في وظائف مؤقتة أو بدوام جزئي أو بأجر أقل من الشركاء الذكور، وفقا لمونيكا كيسير، رئيسة قسم السياسة الاجتماعية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
حصلت بيث، وهي مديرة للتكنولوجيا في قطاع الرعاية الصحية في المملكة المتحدة، على إجازة إلى أجل غير مسمى من وظيفتها لرعاية طفليها، على الرغم من كونها في مستوى الأقدمية نفسه في العمل مثل زوجها. "كان علينا إعطاء الأولوية لوظيفة زوجي على اعتبار أنه (...) يحصل على راتب أكبر".
عبر أكثر من 30 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كان أكثر من 25 في المائة من العاملات يعملن بدوام جزئي قبل انتشار الوباء، أي أكثر من ضعف نسبة الرجال. كما كانت نسبة النساء في الوظائف منخفضة الأجر أعلى بكثير، وكان تمثيلهن زائدا في القطاعات الأكثر تضررا مثل تجارة التجزئة.
في حين أن العبء الرئيس لرعاية الأطفال يقع على عاتق الأمهات، فإن كثيرا من الآباء زادوا من دورهم في المنزل. أظهر استطلاع فاينانشال تايمز أن اثنين من كل خمسة رجال أفادوا بأنهم يقومون بمزيد من الأعمال المنزلية، بما يتماشى مع دراسة ألمانية وجدت أن الآباء زادوا من وقت رعاية الأطفال أثناء الإغلاق.
اعتبرت كيسر أن هذا يمكن أن "يشير إلى نظرة أكثر إيجابية في تقسيم الأعمال المنزلية" على المدى الطويل.
تقول سالي، من لوزان في سويسرا: "عملت في صناعة يهيمن عليها الذكور لمدة 15 عاما، وأخيرا، يذكر زملائي الذكور أطفالهم في العمل. هذا أمر إيجابي هائل".
يتساءل بعض الآباء والأمهات عن العودة إلى ترتيباتهم السابقة للوباء. قال مستشار في المملكة المتحدة وأب لثلاثة أطفال: "لم تكن مساهمتي في العمل رائعة في العام الماضي (لكن) نقضي المزيد من الوقت معا، ولدينا نصيب أكثر مساواة من الأعمال المنزلية (...) إلى النقطة التي أتساءل فيها عما إذا كان بإمكاننا العودة إلى الحياة السابقة".
على الرغم من ذلك، لا تزال المرأة تقوم بمعظم الأعمال المنزلية والتعليم في المنزل.
قال أكثر من 70 في المائة من الأمهات في استطلاع فاينانشيال تايمز إنهن يشعرن أنه من المتوقع أن تقع عليهن واجبات منزلية إضافية.
قالت آدي، وهي أم لطفلين في المدرسة الابتدائية وتشغل وظيفة عليا في إدارة الثروات: "طفلاي عالقان في طوال اليوم، ما يعني أنهما يقاطعاني باستمرار في العمل (هما) يعتمدان علي في كل شيء".
أظهر استبيان أجري على مستوى الاتحاد الأوروبي أن النساء اللائي تراوح أعمارهن بين 35 و49 عاما شاركن في نحو ضعف ساعات رعاية الأطفال مقارنة بالرجال في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس). تم الإبلاغ عن اختلاف مماثل بالنسبة للطبخ والأعمال المنزلية.
كونستانس، أم لطفلين تعمل في الاتصالات في المملكة المتحدة، فقدت وظيفتها خلال الوباء. قالت إن الشركة كانت مزدهرة "لكنهم كانوا يعلمون أنهم لا يستطيعون الحصول على ما يريدون من أداء وظيفي من مديرة تنفيذية تتقاضى أجورا عالية (...) سيكون انتباهها مشتتا بسبب الأطفال والتعليم المنزلي".
قدمت معظم الدول نوعا من الدعم للآباء والأمهات العاملين أثناء الوباء، مثل الإجازة الأسرية المدعومة في اليابان وكوريا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، أو مخصصات رعاية الأطفال في كوستاريكا والمملكة المتحدة.
لكن الأهالي قالوا إن ذلك لم يكن كافيا. قالت محامية لديها ثلاثة أطفال إن الحكومة "ضحت بنا وبأطفالنا. نحن ببساطة لا نستطيع في الوقت نفسه العمل ومحاولة الإشراف على أطفالنا. في بعض الأحيان، شعرنا جميعا باليأس الشديد في هذا المنزل".
قالت كارولينا، وهي أم عزباء تعمل في القطاع العام في البرتغال: "ليس لدي أي دعم من الحكومة ولا من صاحب عملي. أشعر أنني يجب أن أبذل قصارى جهدي للحفاظ على سلامة عقلنا".
نسبة 2 في المائة فقط من الاستجابة العالمية لكوفيد - 19 المقدرة بـ10.8 تريليون دولار خلال الموجة الأولى ذهبت إلى سياسات اجتماعية خاصة بالعائلة، ما ترك "عبئا غير متناسب (...) على النساء"، وفقا لآنا جرومادا، مستشارة السياسة الاجتماعية والاقتصادية في اليونيسف.
الدول التي كان أداؤها أفضل بالفعل، مثل الدول الاسكندنافية أو هولندا، كانت لديها بالفعل سياسات عائلية قوية قبل الوباء، بما في ذلك وظائف بدوام جزئي عالية الجودة وإجازات أبوة وأمومة واسعة النطاق، وفقا لهيجونج تشونج، وهي باحثة في جامعة كينت.
في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ذات ثقافات العمل لساعات طويلة والتخطيط الحكومي القليل لمساعدة الآباء على التأقلم، تفاقم التحدي الذي يواجه الأمهات والآباء العاملين.
عانت الصحة العقلية نتيجة لذلك. أفاد نحو تسعة من كل عشرة مشاركين في استبيان فاينانشيال تايمز عن مستويات أعلى من التوتر، مع وجود نسبة أعلى بين النساء. أبلغت الأغلبية العظمى عن مستويات أقل من التحفيز والسعادة.
قالت لورا، مستشارة من نيويورك لديها ثلاثة أطفال في سن المدرسة الابتدائية: "ذلك كان أصعب عام في حياتي. أنا أفقد عقلي. زاد وزني 30 رطلا وأنا بائسة".
أظهرت الإحصاءات الرسمية في المملكة المتحدة أن مستويات السعادة بين السكان أثناء الإغلاق انخفضت بأرقام من خانتين، في حين ارتفع القلق. سجل الأشخاص الذين لديهم أطفال معدلات أسوأ في كلتا الحالتين من غير الأشخاص الذين ليس لديهم أطفال.
قالت محاسِبة من المملكة المتحدة: "ابني البالغ من العمر تسعة أعوام يعاني بشدة عدم التحاقه بالمدرسة (...) تدهور سلوكه وهو يتصرف مثل طفل يبلغ من العمر أربعة أعوام ويعاني نوبات غضب وهوس بألعاب نينتندو. تجربتي كابوس حي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES