Author

أدوات التحفيز والخروج من الركود

|

  تحاول المؤسسات الاقتصادية الدولية منذ الربع الأخير من العام الماضي، أن تشجع الحكومات دائما على الإبقاء على حزم الإنقاذ الاقتصادية التي أقرتها بفعل تفشي وباء كورونا المستجد، وترى هذه المؤسسات، أن المخاطر ستكون كبيرة على الاقتصاد العالمي، فيما لو تم سحب هذه الحزم، التي بلغت مستويات هائلة من حيث الحجم. ففي الولايات المتحدة مثلا، أقرت إدارة الرئيس جو بايدن منذ الأسبوع الأول لوصولها إلى البيت الأبيض خطة إنقاذ بلغت 1.9 تريليون دولار، ويرى صندوق النقد الدولي، أن هذه الحزم، لن تمنح الأمريكيين قوة دفع اقتصادية فحسب، بل ستسهم في رفع مستوى النمو العالمي، إلى جانب غيرها من حزم الإنقاذ المختلفة، ولا سيما في الدول الغربية. 
وهذه الحزم التي أطلق عليها توصيف "الإنقاذ" في البداية، هي في الواقع مشاريع تحفيز للاقتصادات التي نال منها الوباء بصورة خطيرة للغاية، إلى جانب طبعا، توفير الأدوات اللازمة لكل المؤسسات المحلية تقريبا، لتحمل الضربات إلى أن يحدث الانفراج. فالاقتصاد العالمي دخل في أعمق مرحلة ركود منذ 80 عاما، وضرب الانكماش جميع الأرجاء، وصنع هذا الانكماش اضطرابات في هيكلية المخططات الاقتصادية والتنموية التي وضعتها الحكومات على المديين المتوسط والبعيد. 
لم يكن غريبا أن تسدد حكومات رواتب القطاع الخاص، وأن توفر القروض الميسرة، وأغلبيتها كانت قروضا بفائدة صفرية، من أجل الإبقاء على الأعمال ضمن السوق المحلية، كما وضعت الحكومات خطوطا حمراء من أجل الحفاظ على المؤسسات التي تدعم سمعة الاقتصاد المحلي على مدى عقود. من هنا، يمكن فهم تحذيرات كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بأن الحكومات لا يمكنها تحمل التوقف عن جهود دعم اقتصاد المنطقة، في ظل الأزمة الاقتصادية الحاضرة على الساحة، فالسحب المبكر لأي دعم مالي أو إنقاذي أو تحفيزي، سيؤدي حتما إلى تأخر التعافي، وتفاقم الآثار السلبية على المدى البعيد. ما يحتاج إليه العالم الآن، أن يعود النمو إلى مستويات مقبولة، وهناك بشائر مهمة في هذا المجال، بعد أن رفع صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي هذا العام إلى 6 في المائة. 
واللافت أن أحد الأسباب الرئيسة لرفع هذه التوقعات، الخطوة الأمريكية بطرح خطة التحفيز التريليونية، إلى جانب طبعا مخططات التحفيز في الدول المتقدمة الأخرى، فالانتعاش لا بد أن يكون الهدف الأول الآن، مع تحسن الأوضاع الصحية العالمية المرتبطة بكورونا. لا خيار أمام الحكومات حول العالم، إلا أن تواصل عمليات التحفيز الاقتصادية، وتستغل النمو اللافت هنا وهناك. 
صحيح أن الحراك الاقتصادي العالمي لن يعود إلى طبيعته قبل استكمال إحكام القبضة على الجائحة العالمية، لكن الصحيح أيضا، أن هذا الاقتصاد سيمر بمراحل تراكمية في فترة زمنية قصيرة، توفر له الأرضية الصلبة للعودة إلى ما كان عليه قبل الوباء، والجميع يعلم، أنه لولا التدخلات الحكومية حول العالم، لكان الاقتصاد العالمي قد أصيب بالانهيار التام، ما يعني أن عودته إلى حراكه الطبيعي لن يتم قبل أعوام طويلة، ولذلك قرر البنك المركزي الأوروبي مثلا تكثيف شراء السندات بموجب برامج الطوارئ البالغة قيمتها 2.2 تريليون دولار، خصوصا بعد أن ارتفعت العائدات. 
الدعوات للإبقاء على حزم الإنقاذ والدعم والتحفيز، تتزايد فوزيرة المالية الأمريكية جانيت يلين دعت أيضا العالم إلى عدم تخفيف الجهود المالية لدعم الاقتصاد العالمي، مستندة بذلك إلى المؤشرات الإيجابية عن النمو المتوقع لهذا العام، فهذا النمو لن يتحقق لولا حزم التحفيز المالية الكبرى، وهو الأداة الأولى لخروج الاقتصاد العالمي من الركود، والوصول إلى مرحلة التعافي المنتظرة.

إنشرها