Author

العملات الإلكترونية .. اللامعقول

|
شهدت الأسواق العالمية عام 2009 ظهور أول عملة رقمية لا مركزية - غير خاضعة لأي بنك مركزي - يتم تداولها عبر شبكات الإنترنت، وأصبحت في يومنا هذا أشهر من نار على علم، وهي البيتكوين، وتبعها بعد ذلك عدد من العملات الإلكترونية الأخرى.
ما زالت عملة البيتكوين في الأعوام الأخيرة حديث الساحة، بل تزداد الأحاديث عنها مع كل ارتفاع تحققه، ومع كل "هاي" جديد تصل إليه، ولا سيما وقد بدأت منذ العام الماضي 2020 بجذب شهية كبار المستثمرين حول العالم، حيث يتم الإعلان كل فترة عن لحاق أحد كبار المستثمرين بركب ملاكها، ولم يكن آخرهم بطبيعة الحال إيلون ماسك، صاحب شركة باي بال للمدفوعات الإلكترونية والمستثمر الشهير بشركة تسلا للسيارات الكهربائية، حيث أعلن استحواذ شركة تسلا على عملات من البيتكوين بمبلغ مليار ونصف المليار دولار، والسماح بشراء سيارات تسلا مقابل الدفع بعملة البيتكوين، ما دفع سعر العملة إلى فوق حاجز الـ 51 ألف دولار، واستمر ارتفاعها إلى أن تجاوزت 61 ألف دولار كقمة أخيرة، ويبدو أيضا أنها لن تكون نهاية محطاتها، حيث دخل أيضا على الخط نفسه بنك مورجان ستانلي الذي نشر الخميس الماضي توقعاته ببلوغ سعر البيتكوين مستوى 130 ألف دولار للعملة الواحدة.
لا يزال مؤسس عملة البيتكوين الذي عُرف باسم ساتوشي ناكاموتو، لغزا محيرا للأسواق حتى الآن، هل هو فرد أم مجموعة من الأفراد أو الكيانات؟ ورغم ذلك لم يقف العالم كثيرا عند هذا اللغز، حيث استكمل عمليات الشراء والتداول عليها، واستمر الصعود حيث تضاعفت أرقامها إلى ما يصعب ضرب مثال مشابه له، فقد بدأت رحلة صعودها من سعر سنت واحد إلى 61 ألف دولار!
كما دفع ارتفاع سعر البيتكوين العملات الرقمية الأخرى إلى الارتفاع، كالإثيريوم والريبل وغيرهما، التي شهدت إقبالا هي الأخرى من المستثمرين الذين فاتهم اللحاق بركب البيتكوين لعلهم بذلك يشهدون بعض الحظ في أن يتكرر سيناريو البيتكوين معهم.
إلا أن سيناريو البيتكوين مختلف تماما عن غيرها من حيث عدة أمور أولها أنها كانت اللاعب الأول في هذا العالم شبه الخفي، وأيضا أخذت نحو 12 عاما لتصل لأرقامها الحالية، ومرت بفترات طويلة من التذبذب الحاد، وأسهم قلة عدد عملاتها المتداولة في الارتفاع مع انطلاق الزخم الإعلامي الكبير نحوها أخيرا، فضلا عن حظوتها بدعم كبار رجال الأعمال حول العالم من الأسماء الرنانة، كما يقال، وبعض الجهات الكبرى في القطاع الخاص. هذه الخصائص والمعايير التي مرت بها البيتكوين لم تحظ بها أي عملة أخرى، ومن الطبيعي أن تؤثر في بقية القطاع وتلفت الأنظار إليها، ما يدفع بأسعار بقية العملات نحو الارتفاع، لكن ذلك أيضا لا يعني بالضرورة تكرار السيناريو نفسه الذي يتوقعه كثير ممن لحق بالعملات الأخرى أخيرا، فالظروف ليست واحدة والمعايير غير متطابقة، كما أن البيتكوين نفسها لن تكون قادرة على تكرار السيناريو الذي بدأت به عندما كانت بعيدة عن الأضواء.
الخلاصة: إن الأرباح المحققة من الاستثمار في العملات الرقمية مع ما فيها من مخاطر تعد جزءا من الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، بينما البحث عن سيناريو مكرر للبيتكوين قد يكون أقرب إلى اللامعقول.
إنشرها