Author

ثقة ونمو بتحولات استراتيجية

|

حافظ الاقتصاد السعودي على أداء متماسك في أوج فترة تفشي وباء كورونا المستجد، بل حقق تقدما في مجالات مختلفة، بما في ذلك ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة. واتخذت السعودية سلسلة من الإجراءات ضمنت لاقتصاد البلاد مرونته وقوته وتحولاته الاستراتيجية، بما في ذلك استمرار مسار تنفيذ رؤية المملكة 2030، وظهور نتائج عالية الجودة على الأرض، حتى في عز انتشار الجائحة حول العالم. واستفاد الاقتصاد السعودي في وقت الأزمة، من الأدوات التي طرحتها "الرؤية"، الأمر الذي دفع مؤسسات التصنيف العالمية، إلى التأكيد في مراجعاتها الدورية على المكانة الائتمانية التي تتمتع بها السعودية في هذا المجال، رغم أنه من الصعب الحفاظ على مستوى التصنيف في وقت الأزمات، حتى في بعض الدول المتقدمة. ومن هنا، لم يكن غريبا رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي في العام الجاري من 2.6 إلى 2.9 في المائة. ووصل "الصندوق" إلى هذا الاستنتاج، مستندا إلى النشاط المتصاعد لهذا الاقتصاد، إلى جانب طبعا سرعة التعافي من تداعيات كورونا. ولأن الأمر كذلك، فإن صندوق النقد رفع توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي في العام المقبل إلى 4.4 في المائة، وهي نسبة مرتفعة للغاية، ولا سيما في الأوقات التي يعاني فيها العالم ركودا اقتصاديا هو الأعمق منذ أكثر من 100 عام. وحققت المملكة خطوات متسارعة على صعيد اللقاحات ضد كورونا، الأمر الذي رفع من مستوى الثقة بالاقتصاد السعودي في الأعوام القليلة المقبلة، دون أن ننسى، أن هذه النقطة تضاف إلى رصيد السعودية مقارنة بعمليات التلقيح في دول أخرى. واللافت أيضا في التقديرات الخاصة بالنمو في السعودية، أن توقعات صندوق النقد فاقت التقديرات الأولية لوزارة المالية في البلاد التي وقفت عند حدود 3.4 في المائة، وهذا يعني، أن الأمور تسير بصورة جيدة على الساحة السعودية، وأن الضمانات موجودة لتحقيق النمو في كل الميادين، خصوصا تلك التي ترتبط باستكمال عملية البناء الاقتصادي التي تستند أساسا إلى رؤية المملكة 2030. وكل المؤشرات الراهنة تدل على أن تعافي الأنشطة الاقتصادية في المملكة يمضي قدما، فضلا عن تحسن الميزان التجاري مع الشركاء الرئيسين، وذلك مع التحسن في سلاسل الإمداد العالمية. ومن هنا، يمكن فهم التقديرات المرتفعة للنمو في السعودية من جانب صندوق النقد الدولي، مع التأكيد مرة أخرى على محافظة المملكة على تصنيفها الائتماني المرتفع. ولا شك في أن المبادرات الحكومية في المملكة تسهم في دفع عجلة النمو إلى الأمام، وتطرح بصورة مستمرة الأدوات اللازمة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية متوسطة وطويلة الأمد. وكل هذا يهدف في الواقع إلى الوصول إلى المستوى المأمول من التنويع الاقتصادي، عبر تحقيق الاستدامة المطلوبة. والنمو الذي أشار إليه صندوق النقد، وقبله وزارة المالية السعودية، سيكون مدفوعا أيضا بمخططات التنمية الخاصة بدور القطاع الخاص، وهذا الأخير يلقى اهتماما بالغا من القيادة العليا منذ اليوم الأول لانطلاق "رؤية المملكة"، فهو مصدر أساسي لرفع مستوى النمو الاقتصادي، في كل أوقات الانفراج وفي فترات الأزمات. تقديرات النمو المرتفع في السعودية، صاحبتها تقديرات أخرى لصندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد العالمي، وهذا الأخير سيشهد انتعاشا أكثر من المتوقع، لأسباب عديدة في مقدمتها تراجع ضربات جائحة كورونا على الساحة الدولية، وكذلك بفعل النمو القوي الذي سيحققه الاقتصاد الأمريكي مدفوعا بخطط الدعم الهائلة التي أقرتها الإدارة الأمريكية أخيرا، مع ضرورة الإشارة، إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يمر بحالة من عدم اليقين. واللافت على صعيد مؤشرات الاقتصاد العالمي أن صندوق النقد توقع أن يزيد الإنتاج العالمي 6 في المائة خلال العام الجاري، وهي نسبة عالية لم تحدث منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي كل الأحوال، كانت التوقعات تدور حول 5.5 في المائة، وهذه النسبة تعد مرتفعة، قياسا بعمق الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي بفعل الجائحة، علما بأن النمو سيكون متفاوتا من حيث المستوى والسرعة بين دولة وأخرى. كما أن الصين عادت بالفعل إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل كوفيد في عام 2020، ومن المتوقع أن تفعل الولايات المتحدة ذلك هذا العام، لكن كثيرا من الأسواق الناشئة لن تصل إلى هناك قبل عام 2023. ومن المرجح أن تؤدي مسارات الانتعاش المتباينة إلى صنع فجوات أوسع بشكل كبير في مستويات المعيشة بين الدول النامية وغيرها، مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة، ولكن في النهاية سيكون العام الحالي حسب التوقعات عام العودة إلى النمو، والتخلص من الانكماش الذي ضرب العالم أجمع، بافتراض أن لقاح فيروس كورونا سيتوافر على نطاق واسع خلال العام. كما أشارت تحذيرات من خبراء اقتصاديين أن التأثير الاجتماعي والاقتصادي المدمر لجائحة فيروس كورونا سيبقى ملموسا لأعوام عدة مقبلة ما لم تضمن الاستثمارات الذكية في الصمود الاقتصادي والمجتمعي والمناخي، تعافيا قويا ومستداما للاقتصاد العالمي.

إنشرها