FINANCIAL TIMES

الموجة الثالثة .. الفيروس المتحور ينهك أوروبا

الموجة الثالثة .. الفيروس المتحور ينهك أوروبا

مقاهي باريس جمعت المقاعد وأوصدت الأبواب امتثالا لإغلاق جديد في عموم فرنسا.

بعد مرور أكثر من عام على بداية الوباء، تعيش أوروبا ربيعا قاتما. في كثير من الدول تتزايد الإصابات بكوفيد - 19، كذلك الوفيات وأعداد المرضي في المستشفيات، في الوقت الذي تكافح فيه القارة مع متحور أكثر عدوى، ونقص في اللقاحات، وتعب عام من الإغلاق.
في فرنسا قال رئيس الوزراء، جان كاستكس، أمام البرلمان الأسبوع المضي، بعد أن أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن الإغلاق الثالث على مستوى البلاد، الذي يشمل قيود السفر وإغلاق المدارس وحظر تجول يمتد من الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحا "ينتشر الوباء بسرعة، وينتشر في كل مكان".
بحسب كاستكس، خلال أسبوعين ارتفع عدد الحالات الجديدة المسجلة في فرنسا 55 في المائة إلى نحو 38 ألف حالة يوميا. تقارن هذه الزيادة على مدى أسبوعين بارتفاع بلغ 95 في المائة في بلجيكا و48 في المائة في هولندا في إطار زمني مماثل. في ألمانيا ارتفعت الإصابات بنسبة 75 في المائة. جزء من هذه الزيادة يعود إلى التوسع في الاختبارات.
غالبا ما يطلق على أحدث اندفاع في الجائحة في أوروبا، الذي نجم عن انتشار سلالة الفيروس B.1.1.7 المهيمنة الآن والتي لوحظت لأول مرة في إنجلترا، "الموجة الثالثة"، لكن حين ينظر إليها في جميع أنحاء القارة ككل تبدو الصورة متباينة حيث يتفاقم الوباء ويصل إلى ذروته في بعض الدول، بينما يتراجع في أخرى.
وفقا لكريستيان كاراجيانيديس، من الجمعية متعددة التخصصات للعناية المركزة وطب الطوارئ في ألمانيا، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الاتحاد الأوروبي، "منذ منتصف آذار (مارس)، وصل نحو ألف مريض إضافي إلى وحدة العناية المركزة في المستشفى". وإذا استمرت الأمور على هذا المعدل "سنكون قد وصلنا إلى حدود طاقتنا العادية خلال أقل من أربعة أسابيع".
لم يعد المسنون وحدهم هم الذين يكافحون من أجل حياتهم في وحدات العناية المركزة في جميع أنحاء أوروبا. قالت المستشارة أنجيلا ميركل في مدونة صوتية يوم الجمعة "الآن المرضى في منتصف العمر وكذلك المرضى الأصغر سنا هم الذين يجب أن يتم إعطاؤهم أجهزة التنفس".
في إسبانيا وإيطاليا، الوضع يتدهور أيضا. قال جيوفاني ليوني، نائب رئيس اتحاد الأطباء الإيطالي: "مع المتحور الإنجليزي، على الرغم من كل القيود المفروضة، لم نشهد الانخفاض الذي كنا نرجوه في الحالات الجديدة".
كذلك تضررت أوروبا الشرقية بشدة. في بولندا كانت الموجة الثالثة هي الأسوأ حتى الآن، ما أدى إلى ارتفاع الإصابات اليومية إلى مستويات قياسية وفرض ضغطا شديدا على النظام الصحي في البلاد. يوجد في بولندا الآن عدد أكبر من الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفيات بسبب كوفيد - 19 أكثر من أي وقت منذ بدء الوباء في الصين العام الماضي.
قال وزير الصحة البولندي، آدم نيدزيلسكي، في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي: "هذه أسوأ أيام الوباء التي نمر بها".
في جمهورية التشيك، بدأت الحالات في الانخفاض بعد أن طبقت الحكومة إغلاقا صارما في أعقاب زيادة عدد الحالات في أواخر شباط (فبراير). في الوقت نفسه بلغت الحالات في سلوفاكيا ذروتها.
أدى الانتشار البطيء للقاحات إلى تقييد قدرة الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة - التي نفذت عمليات شراء مشتركة للقاحات - للسيطرة على الوباء. هذا يتناقض بشكل حاد مع الطرح السريع للقاح في إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. قال ليوني، نائب رئيس اتحاد الأطباء الإيطالي: "لدينا أكثر من 200 ألف طبيب جاهزين لتطعيم المواطنين، لكن نقص اللقاح يعيق كل شيء. بحلول الوقت الحاضر كان ينبغي أن نكون متقدمين كثيرا، لكننا ما زلنا عاجزين عن التقدم تماما".
يفترض أن تتحسن الإمدادات بسرعة في الأسابيع القليلة المقبلة. من المتوقع أن تقفز عمليات تسليم اللقاحات من 107 ملايين جرعة في الربع الأول إلى 360 مليون في الثاني، وفقا للمفوضية الأوروبية. الفارق أكبر حتى مما يبدو، لأن 55 مليون جرعة من لقاحات الربع الثاني هي عقار جونسون آند جونسون الذي يعطى مرة واحدة. اللقاحات الثلاثة الأخرى المعتمدة تستخدم جرعتين لكل مريض. ينبغي أن يعني هذا أن الاتحاد الأوروبي لديه ما يكفي من الجرعات لتحقيق هدفه المتمثل في تطعيم 70 في المائة من السكان البالغين - أو نحو 255 مليون شخص – بحلول أيلول (سبتمبر).
قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: "يتعين على الدول الأعضاء أن تكون مستعدة لتسريع التسليم. ولا بد أن تتبع اللوجستيات، هذه مسؤوليتهم. يجب أن يبدأوا الآن في تنظيم حملات تطعيم جماعية وحملات قوية لإقناع المواطنين بالذهاب للحصول على لقاح".
أدى الصراع العالمي على اللقاحات إلى زيادة التوترات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتسبب في حدوث توترات بين أعضاء الكتلة بشأن المخصصات.
المجر - التي عانت مؤخرا من أكبر عدد من الوفيات للفرد في الاتحاد الأوروبي ولديها واحد من أعلى معدلات وفيات كوفيد في العالم – هي بالقرب من أعلى جدول عمليات التطعيم الخاص بدول الاتحاد الأوروبي الـ27، مع أكثر من 20 في المائة من الأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة على الأقل، بمقارنة بـ12.5 في المائة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. كان ذلك لأن المجر لم تنتظر موافقات الوكالة الطبية الأوروبية واستوردت لقاحين صينيين ولقاحا روسيا لتكملة إمداداتها.
بينما تنتظر اللقاحات، تكافح الحكومات الأوروبية لإقناع مواطنيها بقبول المزيد من الإغلاق الصارم بعد عام من الوباء. قال كاراجيانيديس إن ألمانيا "بحاجة ماسة إلى إغلاق صارم لمدة أسبوعين، واختبارات إلزامية في المدارس مرتين في الأسبوع، ووتيرة أسرع بكثير للتطعيم في المراكز وعيادات الطب العام".
انتقد أنطوان فلاهولت، مدير معهد الصحة العالمية في جامعة جنيف، حجج القادة الأوروبيين، مثل ماكرون في فرنسا، الذين قالوا إنهم بحاجة إلى تجنب عمليات الإغلاق المرهقة للغاية لإنقاذ اقتصاداتهم.
قال فلاهولت إن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، فرضت استراتيجيات قمع صارمة لأسباب صحية "ولديها نتائج اقتصادية أفضل بكثير من نتائج الاتحاد الأوروبي" لأنها عادت بشكل أسرع إلى الحياة الطبيعية بعد إيقاف انتشار المرض.
مارتن بلاشييه، عالم الأوبئة في شركة ببليك هيلث إكسبرتايز الاستشارية ـ مقرها باريس، أشار إلى أن الوقت ربما فات الأوان على فرض عمليات إغلاق تام مرة أخرى في أوروبا. قال: "الحكومتان الألمانية والفرنسية تدركان استحالة إغلاق البلاد. يصاب الناس بالجنون لذا فهم لا يريدون البقاء في المنزل".
إلى أن يصل المزيد من اللقاحات، تعتمد أوروبا على أنظمة التباعد الاجتماعي والاختبار والتتبع. قال بلاشييه في الوقت الحالي "لم تعد عمليات الإغلاق حلا بعد الآن، واللقاحات غير كافية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES