Author

تحفيز ونتائج .. مساهمة أعلى

|

ما زال العالم يعاني جائحة كورونا، ورغم سرعة توزيع اللقاحات وأخذ الجرعات، لكن مع ذلك فإن السباق مع هذا الفيروس يزداد شراسة، ولا بد من توفير دعم كبير ليس على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي، فالتحديات اللوجستية تبدو أكبر بكثير مما كان متوقعا، لكن رغم هذه التحديات الكبيرة جدا والآثار الاقتصادية الهائلة لهذا المرض، فإنه من المحفز فعلا أن تأتي الأرقام الاقتصادية السعودية لتؤكد أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي السعودي بالأسعار الثابتة ارتفعت في عام 2020 إلى 41.1 في المائة، مقابل 40.7 في المائة في 2019، علما بأن حصته في 2015 قبل إطلاق "الرؤية" كانت نحو 39.3 في المائة من الناتج. 
وهذا الوضع يؤكد تماما أن الدروس التي تعلمناها من الجائحة كثيرة وعميقة، وقد يتطلب الأمر منا بعض الوقت لفهم سلوك المتغيرات والعلاقات الاقتصادية كافة، وكيف تفاعلت عناصر الدعم المختلفة في الاقتصاد السعودي لتحقيق هذا الإنجاز اللافت بكل المقاييس. لكن بداية نؤكد أن هذا دليل قوي على نجاح خطط تحفيز القطاع الخاص التي انتهجتها الحكومة السعودية منذ انطلاق "الرؤية"، وأن تلك الخطوات المهمة كانت كفيلة بتحصين المجتمع من تبعات الآثار الصعبة للجائحة ومكنت الحكومة من تنفيذ الخطط كافة لحماية المجتمع، ومن بينها الإغلاق الكامل، ورغم ذلك فإن القطاع الخاص حقق قفزة في مستويات الناتج المحلي. 
فوفقا لرصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، الذي استند إلى بيانات رسمية، تعد حصة القطاع الخاص من الاقتصاد السعودي في 2020 هي الأعلى منذ عام 2010. وتظهر الأرقام الاقتصادية أن "الناتج المحلي الإجمالي السعودي بالأسعار الثابتة"، تراجع 4.1 في المائة خلال العام الماضي، وهذا الانخفاض يعود فعليا إلى تراجع القطاع النفطي بنحو 6.7 في المائة، وتراجع القطاع غير النفطي بنسبة أقل تبلغ 2.3 في المائة، ومن هنا ندرك أن الجهود الضخمة التي سبقت الجائحة وكانت تعمل على تحرير الاقتصاد السعودي من تبعات الارتباط الكبير بتقلبات أسعار النفط، بدأت تؤتي أكلها، ولو أن الأمور قد بقيت على حالها قبل العزم على تنفيذ "الرؤية" بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكانت الأرقام الاقتصادية متراجعة بكثير، لكن ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي أسهم كثيرا في تخفيف الآثار.
وبالتأكيد، قراءة بهذه البساطة لن تعطي إضاءة كافية على التشابكات الاقتصادية والتفاعل بين العوامل المؤثرة، فقد تزامنت التأثيرات المتراكمة للتحفيز الذي وجده القطاع الخاص قبل الجائحة مع الدعم والمحفزات مع الجائحة لتحقق هذا التوازن الصعب، الذي لم يتحقق لعدد من الدول في الاتحاد الأوروبي وعدد آخر من دول العالم، ومن بينها دول نفطية كبيرة. فرؤية المملكة 2030 تستهدف رفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي إلى 65 في المائة بحلول 2030، ومن أجل ذلك تم تخصيص مبلغ 200 مليار ريال لدعم القطاع الخاص بقروض طويلة الأجل، وذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2016، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بدأت الحكومة السعودية تحمل المقابل المالي على العمالة الوافدة في القطاع الصناعي، ويمتد ذلك لخمسة أعوام، كما تم إطلاق مبادرة "الفاتورة المجمعة"، التي استفادت منها 364 ألف منشأة، بما قيمته 11.5 مليار ريال تمثل السداد أو الإعفاء من فروقات المقابل المالي لرخص العمل، حسب الالتزام بنسب معينة من التوطين. 
ومع تفشي فيروس كورونا، قدمت الحكومة السعودية حزم تحفيز ضخمة للقطاع الخاص، كان أبرزها 50 مليار ريال من البنك المركزي السعودي "ساما" للمؤسسات المالية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى حزمة أولى أعلنتها وزارة المالية بنحو 70 مليار ريال تمثلت في إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية، وتحملت الحكومة من خلال نظام "ساند" 60 في المائة من رواتب موظفي القطاع الخاص السعوديين بقيمة إجمالية تصل إلى تسعة مليارات ريال، ثم أعلنت وزارة المالية دعما بما يتجاوز 50 مليار ريال لدعم وإعفاءات وتعجيل سداد مستحقات القطاع الخاص. 
وهنا بالفعل تبدو الصورة شديدة الوضوح لعزم الدولة على تخطي الآثار الاقتصادية للجائحة بسرعة والعودة إلى المسارات الصحيحة، وقد تم قبل عدة أيام إعلان مبادرات التخصيص، وبرنامج شريك، وهي المبادرات التي ستضع القطاع الخاص داخل هدف المرمى تماما، ولم يبق سوى تحقيق الأهداف.

إنشرها