Author

ديون دون ضمانات .. إنقاذ أم أزمة؟

|

الديون العالمية تتضخم في كل مكان تقريبا حول العالم، وهذه الديون ارتفعت من جراء إقدام الحكومات في هذا البلد أو ذاك على ضخ حزم إنقاذ لاقتصاداتها، لمواجهة التداعيات التي جلبها وباء كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي كله. وبدأت الجهات الدولية المختلفة، بما في ذلك الأمم المتحدة، التحذير من الآثار المترتبة على هذه الديون، خصوصا في الدول النامية أو الناشئة، حتى أن أنطونيو جوتيرش الأمين العام للمنظمة الدولية، لم يستبعد أن تؤدي ضغوط الديون والعجز عن تسديدها إلى اضطرابات سياسية في بعض الدول، وإلى ارتفاع مخيف في معدلات الفقر، فضلا عن التوترات الاجتماعية التي ستظهر في حال عدم السيطرة على هذه الديون، وعدم تدخل المجتمع الدولي للتعاطي مع المسألة بصورة واقعية. وفي هذا الشأن، فإن أزمة الديون الحالية تثير القلق، ولها تأثير كبير في زعزعة مفاصل النظام المالي العالمي، إلا أن الوضع ما زال تحت السيطرة حتى الآن، رغم المخاوف من توقف النشاط الاقتصادي بشأن هجمة مرتدة للجائحة. مشكلة الديون ليست حكرا - بالطبع - على الدول النامية أو الفقيرة، فهي تضرب أيضا الدول المتقدمة التي تجاوز حجم ديونها ناتجها المحلي الإجمالي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. لكن هذه المشكلة تبدو حساسة وأكثر خطورة في الدول النامية، بما في ذلك دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فكما نعلم أن لبنان تخلف العام الماضي عن السداد، وهناك دول في هاتين المنطقتين قد تتخلف عن السداد في العام الحالي، وأعباء الديون تتعاظم. كما أن بلدا كتونس على سبيل المثال، يجب عليها سداد مليار دولار سنويا كدفعات حتى عام 2025، والوضع ليس أفضل في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الوقت الذي لم تتضح بعد معالم انتهاء الأزمة التي خلفتها الجائحة، ومستقبل الركود الاقتصادي الحالي هنا وهناك. البنك الدولي حذر أخيرا من الدين العام لهاتين المنطقتين، ففي العام الماضي مثل حجم ديون دول المنطقتين المشار إليهما 54 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 46 في المائة في عام 2019. وبحسب هذه المؤسسة العالمية، فإن نسبة الدين في الدول المستوردة للنفط في المنطقة، ستصل إلى 93 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في العام الجاري، وهذا ليس غريبا، فبلد كبريطانيا تجاوزت ديونها حجم ناتجها المحلي، إلا أنها ليست مهددة بالعجز عن السداد، كما أن أدواتها الاقتصادية المستدامة ومرونتها في هذا المجال، ستوفر لها قوة دفع في هذا المجال. لكن الخوف من الديون في الدول النامية أو الفقيرة، يرتبط بمدى قدرتها على السداد، والمحافظة على الحد الأدنى من تصنيفها الائتماني، وهذا ما يؤثر - كما هو معروف - في أدائها الاقتصادي عموما في مرحلة ما بعد الانتهاء من تداعيات كورونا. الانكماش الذي ضرب اقتصاد منطقة الشرق الأوسط، التي تضم 20 دولة، بلغ 3.8 في المائة العام الماضي، ويقدر البنك الدولي التراجع التراكمي للحراك في هذه المنطقة بنحو 227 مليار دولار، وهذا العجز يمثل ثقلا فظيعا على بعض الاقتصادات في المنطقة المشار إليها، فلا ضمانات إلا بعودة النشاط الاقتصادي والتعافي في أقرب وقت ممكن، والخروج من مرحلة الركود التي ضربت العالم أجمع. ولن يتم ذلك، إلا بتأمين الأوضاع الصحية، عبر نشر اللقاح على أوسع نطاق ممكن، وفي أقصر فترة، وهذا يمثل مشكلة، لأن معظم دول المنطقة لا تزال تعاني تأخر اللقاح. الخوف المتراكم، حاليا، يأتي عمليا من اضطرار بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للاقتراض مجددا، إذا لم تتمكن من إعادة تحريك اقتصاداتها إلى مستوى ما كانت عليه قبل الوباء.

إنشرها