Author

السعودية «مايسترو» أسواق النفط

|
مختص في شؤون الطاقة
لا يخفى على منصف كيف أدارت السعودية أسواق النفط بحصافة واحترافية يشار إليها بالبنان، ليست مبالغة، وليس كلاما مرسلا، فالأحداث تشهد، والأرقام تتحدث، ولا أصدق من لغة الأرقام. كمواطن سعودي يحق لي أن أفخر وأفاخر بثقل وطني على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرهما، ومنها بلا شك أسواق النفط التي شهدت خلال هذين العامين تحديات كبيرة، وعقبات لم يكن من السهل تجاوزها، لكن بعد توفيق الله ثم سياسة السعودية الحكيمة ثم تعاون حلفائها، رست السفينة على بر الأمان. كما ذكرت سابقا عام 2020 كان الأصعب والأقسى على العالم بأسره واقتصاده الذي شلت أركانه واهتزت أساساته بسبب جائحة كورونا كوفيد - 19.
قدر الصندوق الدولي انكماش الاقتصاد العالمي عام 2020 بنحو 4.4 في المائة ما يعادل 3.7 تريليون دولار، ونسبة الدين العالمي من الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت 365 في المائة، وهي أرقام مرتفعة تفوق في ضررها الأزمة المالية العالمية عام 2008، التي انكمش فيها الناتج العالمي نحو 1 في المائة، وهو ما يعادل 1.1 تريليون دولار، ما يعني أن ضرر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي يتجاوز ثلاثة أضعاف ضرر الأزمة المالية العالمية. النفط كان الخاسر الأكبر بين القطاعات الأخرى، حيث انخفض الطلب عليه بصورة حادة بلغت نحو 22 في المائة، ما تعادل 23 مليون برميل يوميا، بسبب الجائحة التي تسببت في شلل الاقتصاد العالمي، والإقفال الجزئي أو الكلي في جل دول العالم، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره ووصوله إلى أرقام تاريخية. السعودية كانت في الموعد، فقد لعبت دورا محوريا وضبطت إيقاع أسواق النفط بخطوات متناغمة، ما أسهم بفاعلية بعد - توفيق الله - في حمايتها من التقلبات التي تعدى ضررها المنتجين وصولا إلى المستهلكين.
تعاملت السعودية بقيادة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، وبتعاون أعضاء "أوبك+" مع هذه الأزمة الاستثنائية، باستثنائية وكفاءة عالية رسمت أنموذجا حقيقيا للتعامل مع الأزمات وإدارتها، حيث وصلت أسعار النفط في نيسان (أبريل) الماضي إلى 19.3 دولار للبرميل. التعامل الأمثل مع هذه الأزمة وخفض الإنتاج من داخل "أوبك" وخارجها، وما قامت السعودية من جهود بطريقة القيادة بالقدوة مطلع عام 2021 بخفض طوعي للإنتاج بواقع مليون برميل يوميا لمدة ثلاثة أشهر تم تمديدها لشهرين آخرين.
الآن سعر خام برنت هو 65 دولارا للبرميل تقريبا، ما يعني أن الإجراءات الفاعلة التي تم اتخاذها والجهود المميزة أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بنحو 236 في المائة، وهذا نجاح باهر لا يمكن إغفاله. قبيل أيام ومع التحسن التدريجي في الطلب على النفط، قررت السعودية التخلص التدريجي من الخفض الطوعي مليون برميل، وذلك على مراحل ابتداء من أيار (مايو) بواقع 250 ألف برميل يوميا، وفي حزيران (يونيو) بنحو 350 ألف برميل يوميا، وأخيرا في تموز (يوليو) بـ 400 ألف برميل يوميا. رغم أن الخفض كان طوعيا ومن حق السعودية التوقف عنه في أي لحظة، إلا أنها كانت وما زالت تسعى لاستقرار أسواق النفط وآثرت التدرج في زيادة إنتاجها، بل صرحت بأن جل الزيادة للاستهلاك المحلي، وهذا عين القيادة بالقدوة وروح سياستها الإنتاجية.
إنشرها