Author

سباق البنية الأساسية

|

تلعب البنية الأساسية دورا مهما وحاسما في التنمية، حيث تركز دول العالم على تطويرها، خصوصا في بداية مراحل التنمية. تشمل البنية الأساسية الطرق البرية والجوية والبحرية والسكك الحديدية والموانئ والمطارات وشبكات الاتصالات (بما في ذلك الإنترنت) وتوليد وشبكات توزيع الطاقة وتوفير المياه وشبكات تجميعها وإيصالها. وتتنافس دول العالم في تطوير البنية الأساسية ورفع جودتها وتنفق من أجل ذلك أموالا طائلة محاولة تسريع حركة السلع والخدمات والبشر وخفض تكاليفها قدر الإمكان، سواء بين أرجاء الدول الداخلية أو بين الدول والعالم الخارجي. وتلعب البنية الأساسية دورا حيويا في ربط أرجاء الدول الداخلية ودعم الوحدة الوطنية وربط الأواصر بين المكونات الاجتماعية وخفض الفوارق الاقتصادية والتنموية.
على الرغم من أهمية البنية الأساسية لأي اقتصاد إلا أنه يجب توفيرها على المستوى الوطني أو المحلي، حيث يصعب استيرادها كباقي أدوات التنمية. ويتطلب تطوير البنية الأساسية استثمارات هائلة، وتتعاظم تكاليفها مع جودتها وزيادة مساحات الدول وعدد سكانها وظروفها الطبيعية. يتأخر العائد على الاستثمارات في البنية الأساسية لبعض الوقت، لهذا يتطلب تطويرها رؤية جيدة وصبرا وحسن تخطيط. تلعب اقتصادات الحجم دورا كبيرا في مشاريع البنية الأساسية، حيث تتزايد منافعها مع تصاعد استخداماتها. وتسهم مشاريع البنية الأساسية في تنمية المناطق الجغرافية التي تخدمها وتخفض تكاليف السلع والخدمات، لكنها قد تولد بعض الآثار الجانبية السلبية في البيئة والصحة العامة واستخدامات الأراضي والموارد.
قدرة الأسواق على تطوير بنية أساسية جيدة محدودة، ما يوجب تدخل الحكومات لتنفيذ هذه المشاريع. ويعود هذا لتكاليفها المرتفعة، وبطء العائد عليها، وعجز الأسواق عن تعظيم الرفاهية الاجتماعية من مشاريع البنية الأساسية وخفض آثارها السلبية. يمكن السماح للقطاع الخاص بتنفيذ أو إدارة مشاريع البنية الأساسية ولكن تحت مظلة التنظيمات والمؤسسات العامة للحد من مبالغة القطاع الخاص في رفع الأسعار ما يخفض منافعها الاجتماعية، أو يحرم قطاعات اقتصادية أو شرائح سكانية معينة من الاستفادة منها.
تتوافر مؤشرات قوية على مساهمة نوعية مشاريع البنية الأساسية في محاربة الفقر ورفع عدالة توزيع الدخل بين الشرائح السكانية المختلفة وبين المناطق الجغرافية داخل الدول. فأصحاب الأعمال والمنتجون الصغار المنتشرون في طول البلاد وعرضها يحتاجون إلى بنية أساسية جيدة في قطاعات المواصلات والاتصالات والطاقة ليتمكنوا من المنافسة المحلية والخارجية مع المنتجين الكبار الذين يملكون إمكانات أكبر في التمركز الجغرافي وتوفير احتياجاتهم الأخرى من الطاقة والمواصلات والاتصالات. وتساعد مشاريع البنية الأساسية على تمكين الأفراد والعائلات المنتجة والأعمال الصغيرة من الوصول للأسواق والحصول على مدخلات الإنتاج وإيصال منتجاتهم ما يخفض التكاليف ويحد من ممارسات الاحتكار التي يواجهونها. وهذا يدعم نمو أعمال الأفراد والعائلات المنتجة والكيانات الصغيرة التي تشغل معظم السكان ما يسهم في زيادة التوظيف وتحسين عدالة توزيع الدخل والثروة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث تمكن البنية الأساسية الجيدة المستهلكين من الحصول على الخدمات والسلع بتنافسية أكبر كما تساعد الأعمال الصغيرة والكبيرة على التخصص الإنتاجي أكثر، ما يوفر خيارات أفضل للمستهلكين ويرفع إنتاجية القطاعات الاقتصادية، وبالتالي معدلات النمو الاقتصادي.
تزيل البنية الأساسية عالية الجودة في النقل والاتصالات والطاقة كثيرا من المعوقات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية، وترفع الإنتاجية، وتخفض تكاليف إنتاج واستهلاك السلع والخدمات ما يدعم النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، تحفز البنية الأساسية الجيدة تدفقات الاستثمار المحلي والأجنبي وترفع قدرة الدول والقطاعات الاقتصادية على المنافسة والتجارة.
من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتبني خطط إنفاق هائلة لتطوير بنيتها الأساسية. وتصل بعض تقديرات الخطط، إلى أربعة تريليونات دولار ما يجعلها الأكبر في تاريخ العالم. وتشير تجربة الولايات المتحدة إلى قصور واضح في قدرات القطاع الخاص على تطوير البنية الأساسية على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يملكها القطاع الخاص الأمريكي وعمق الأسواق المالية. ونفذت أكبر مشاريع البنية الأساسية في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي. وتقادم كثير من قطاعات البنية الأساسية الأمريكية بينما تصاعد إنفاق المنافس الرئيس لها وهي الصين، ويشعر كثير من المسؤولين بأهمية إنفاق استثمارات كبيرة لرفع قدرة الولايات المتحدة على منافسة الصين والدول الاقتصادية الكبرى الأخرى. واحتلت الولايات المتحدة المركز الـ 14 في مؤشر الأداء اللوجستي في 2018، حسب تصنيف البنك الدولي، وجاءت في المركز الـ 13 عالميا في البنية الأساسية، حسب استطلاعات ستاتستا، وتحتاج إلى إنفاق أموال طائلة على البنية الأساسية لتتقدم في مؤشرات البنية الأساسية مع دول العالم.
لم تتضح بشكل دقيق تفاصيل خطط الإنفاق المالي الضخم للحكومة الأمريكية على تطوير البنية الأساسية، لكن من المتوقع أن يحدث الإنفاق صدمة إيجابية على الاقتصاد الأمريكي، حيث تشير بعض التقديرات إلى إمكانية توليده خمسة ملايين فرصة عمل، ورفع معدلات النمو الاقتصادي بشكل ملموس خلال الأعوام المقبلة. وستكون له أيضا آثار اقتصادية ملموسة في العالم الخارجي التي من أبرزها ارتفاع الطلب الأمريكي على الطاقة، نظرا لكثافة استهلاك مشاريع البنية الأساسية للطاقة، كما سيزيد بوجه عام الطلب على السلع والخدمات الأجنبية.

إنشرها