FINANCIAL TIMES

سفينة لبنان الغارقة .. لا يوجد ناجون

سفينة لبنان الغارقة .. لا يوجد ناجون

من الممكن أن يغرق لبنان مثل تيتانيك، فقط مع عدم وجود ناجين، ما لم يشكل السياسيون المتخاصمون أخيرا حكومة قادرة على التعامل مع تصادمها مع الأزمات.
قد يعتقد المرء أن هذا ليس بالجديد. الأمر الذي يجعله استثنائيا ما قاله نبيه بري، رئيس مجلس النواب، اللواء السابق الذي يعد صاحب نفوذ محوري في لبنان منذ الحرب الأهلية 1975-1990، الموالي لسورية الذي ما زال يحافظ بطريقة ما على إمكانية الوصول إلى كل من إيران والولايات المتحدة.
بري، حليف حركة حزب الله شبه العسكرية المدعومة من إيران، التي هي في نهاية المطاف اليد التي تحمل السوط في لبنان الغارق، كان يردد فقط تصريحات جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، في كانون الأول (ديسمبر)، حين قال "لبنان هو تيتانيك من دون الفرقة الموسيقية".
على الرغم من عدم وجود احتمال لتشكيل حكومة في أي وقت قريب، إلا أن خطبة بري المنمقة هي أفضل على الأقل من الجوقة الحاقدة لرجال الميليشيات الذين يرتدون البدلات، والسلالات الطائفية، والنخبة السياسية والمصرفيين الذين يدعون أنهم يقودون سفينة لبنان، لكنهم أمضوا العامين الماضيين في الصراخ على قمة جبل الجليد كي يحيدوا عن الطريق.
كان بري يلقي كلمة أمام جلسة نادرة للبرلمان، الذي أصبح هيئة كهلة وأمضى 11 عاما دون إجازة أي ميزانية، لكن مخصصاته وامتيازاته جعلت النواب ينفقون ثروات في الحصول على مقاعد فيه. في هذه الجلسة وافق على الإنفاق على واردات الوقود من احتياطيات الدولار المتبخرة والخزانة المنهوبة - بعد أن حذرت وزارة الطاقة من أن انقطاع التيار الكهربائي كل ساعة تقريبا سيتحول إلى انقطاع كامل في غضون أسابيع.
صادق البرلمان ظاهريا على قانون يطالب بإعادة (بعض) الأموال العامة المسروقة، لكن مصادقته مجرد حبر على ورق لأنه لم يفعل أي وكالة لمتابعة هذا الأمر.
في فورة غير عادية قال جميل السيد، رئيس المخابرات السابق، والنائب الموالي لحزب الله وحليف الرئيس السوري بشار الأسد، فيما يتعلق بالخطوات التي اتخذها البرلمان: "ما حدث هناك كان تمثيلية. نحن نكذب على أنفسنا، نحن نكذب على الدول (المانحة)، ونحن نكذب عليكم"، يا شعب لبنان. يعرف اللواء السيد، وهو الرئيس السابق المخيف لمديرية الأمن العام، أسرار الدولة والمتحكمين فيها.
لا يخفى على أحد الآن أن لبنان يندفع نحو الانهيار. ولأنه جاث بالفعل بسبب أزمة مركبة، مالية وضريبية، ومصرفية، وأزمة ديون، فقد أدت جائحة فيروس كورونا والانفجار الهائل الذي حدث في آب (أغسطس) الماضي في ميناء بيروت إلى اعتصار أي حياة كانت متبقية في الاقتصاد.
فقدت العملة المحلية 90 في المائة من قيمتها. تم منع المودعون بالدولار من الدخول إلى حساباتهم من قبل نظام مصرفي معسر أقرض 70 في المائة من أصوله لدولة مفلسة وبنك مركزي لا يستطيع السداد. انكمش الاقتصاد العام الماضي بنسبة 25 في المائة، وفقا لصندوق النقد الدولي، ويقدر البنك الدولي أن 55 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. من المرجح أن يكون الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 10 في المائة على الأقل، لكن الاقتصاد ينكمش بسرعة كبيرة لدرجة تصعب معها معرفة ذلك.
ظل لبنان بلا حكومة منذ الانفجار الكارثي في الميناء، بعد الإطاحة بالحكومة السابقة في ثورة شعبية ضد الطبقة السياسية بأكملها قبل 18 شهرا. عقد الرئيس ميشال عون، الزعيم المسن لأكبر حزب مسيحي يدعمه حزب الله، 18 اجتماعا غير مثمر مع سعد الحريري، رئيس الوزراء المكلف ونجل رئيس وزراء سابق مقتول.
يصر عون الواقع تحت تأثير صهره، ووريثه، جبران باسيل - الذي فرضت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة بسبب الفساد وعلاقاته بحزب الله - على تشكيل حكومة غير عملية من مجلس وزراء مكلف بدلا من التكنوقراطيين، بحيث يكون لديهما حق النقض. يرفض أصحاب النفوذ في لبنان الانخراط بجدية في خطط الإنقاذ التابعة لصندوق النقد الدولي (أرسلوا أربعة وفود إلى الاجتماع الافتتاحي قبل عام).
الدول المانحة بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة مستعدة لدعم حكومة ملتزمة بالإصلاح. لكن الطبقة السياسية ترفض تشكيل مثل هذه الحكومة، خوفا من فضح اختلاساتها الجماعية للأموال العامة. حزب الله يريد أن يتحين الفرصة ويرى ما سينتج عن محاولة إدارة بايدن إعادة التعامل مع إيران. فهو لا يريد أن يغامر بتحالفه المسيحي القيم، أو يعرض سلطته لأي خطر.
عون، كما يقول مسؤول يراه بانتظام "ليس مستعدا لتقديم أي تنازلات على الإطلاق" منذ أن تم فرض عقوبات على باسيل. ومع ذلك "لا يمكنك إيجاد حل لأزمتنا من دون صندوق النقد الدولي. إنه جواز سفرنا إلى المجتمع الدولي والأسواق المالية"، كما يجادل.
يصف أحد حلفاء الحريري، رئيس الوزراء المكلف، الأمر بشكل أكثر كآبة: "إنهم يحتجزون الدولة باعتبارها رهينة، قائلين: دعونا نرى ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار لفترة أطول قليلا - لكن لا أحد يعرف أين تكمن نقطة الانهيار".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES