Author

رفع كفاءة وتأثير رسوم الأراضي البيضاء

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
جاء إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، كأهم أدوات الإصلاح التي تم تطبيقها على السوق العقارية المحلية، للوصول إلى تحقيق أهدافها الرئيسة حسبما ورد في المادة الثانية المحددة، كالآتي: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. وبالاعتماد على تلك الأهداف كإطار مرجعي، لقراءة وقياس واقع ونتائج ما أسفر عنه تطبيق ما تم تطبيقه من المراحل التنفيذية للنظام حتى تاريخه، ومن ثم مقارنته بمضمون تلك الأهداف الرئيسة المذكورة أعلاه، للتأكد من درجة كفاءة التنفيذ وأنه لبى فعليا أهداف النظام، وانعكست آثاره على واقع تعاملات السوق العقارية المحلية، بما يخدم قبل أي اعتبار آخر مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع، ويسهم بفعالية كافية في الدفع بمنجزات التنمية الشاملة والمستدامة نحو أفضل نتائجها المستهدفة حاضرا ومستقبلا.
بناء على ما تقدم: أظهرت التقارير السنوية والإعلانات المتعلقة بنتائج رسوم الأراضي البيضاء حتى تاريخه، التي تركز تطبيق المرحلة الأولى من النظام "الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة"، في أربع مدن رئيسة "الرياض، جدة، المنطقة الشرقية، مكة المكرمة"، وصل إجمالي مساحات الأراضي البيضاء الخاضعة للنظام في بداية التنفيذ إلى نحو 411.5 مليار متر مربع.
أسفرت نتائج المرحلة الأولى منذ بدء التطبيق حتى تاريخه عما يلي: (1) بلغ إجمالي مساحات الأراضي البيضاء التي تم تطويرها أكثر من 13.7 مليون متر مربع، أي: ما نسبته 3.3 في المائة من إجمالي مساحات الأراضي البيضاء الخاضعة للنظام (411.5 مليار متر مربع). (2) أفضت تلك المساحات المطورة إلى توفير أكثر من 22.8 ألف قطعة أرض، أي: ما نسبته 3.3 في المائة من إجمالي قطع الأراضي الممكن توفيرها من إجمالي مساحات الأراضي البيضاء الخاضعة للنظام بالنسبة نفسها (نحو 685.3 ألف قطعة أرض). (3) بلغ إجمالي ما تم صرفه من متحصلات نظام الرسوم على الأراضي البيضاء على مشاريع الإسكان خلال الفترة أكثر من 1.8 مليار ريال، عملا بنص الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء: "تحدد الوزارة أوجه الصرف - من الحساب الخاص بمبالغ الرسوم والغرامات المحصلة - على مشاريع الإسكان، وإيصال المرافق العامة إليها، وتوفير الخدمات العامة فيها"، مع الإشارة إلى عدم معرفة حجم ما تم تحصيله من رسوم الأراضي البيضاء، نظرا لعدم إعلانها في جميع التقارير السنوية الصادرة عن الوزارة.
تؤكد النتائج المتحققة أعلاه بمقارنتها بالأهداف الرئيسة لنظام الرسوم على الأراضي الموضحة أعلاه، وبالمقارنة بتطورات السوق العقارية منذ مطلع 2019 حتى تاريخه، أنها أولا: تقف في منطقة بعيدة عن تلك الأهداف الرئيسة، تحديدا الهدف الأول "زيادة المعروض من الأراضي المطورة، بما يحقق التوازن بين العرض والطلب"، حيث لم تتجاوز نسبة ما تم تطويره من إجمالي الأراضي البيضاء الخاضعة للرسوم سقف 3.3 في المائة حتى تاريخه "13.7 مليون متر مربع من إجمالي مساحات 411.5 مليار متر مربع".
ثانيا: كنتيجة تابعة لما سبق، لا يمكن القول: إن ما تم صرفه من متحصلات نظام الرسوم على الأراضي البيضاء على مشاريع الإسكان البالغ 1.8 مليار ريال، كان كافيا للوفاء بالأهداف الرئيسة للنظام، تحديدا الهدفين الأول والثاني (الهدف الثاني: توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة)، حيث تأثرت الأسعار بعودتها إلى الارتفاع مجددا مع مطلع 2019 حتى تاريخه، نتيجة لتصاعد ضخ القروض العقارية الجديدة بصورة غير مسبوقة في جانب الطلب التي وصل إجمالي حجمها منذ مطلع 2019 حتى نهاية شباط (فبراير) 2021 إلى نحو أكثر من ربع تريليون ريال، وتظهر المقارنة هنا بين ما تم صرفه من متحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء من جانب، ومن جانب آخر ما تم ضخه من قروض عقارية جديدة في جانب الطلب، أن نسبة المصروف من المتحصلات لم تتجاوز 0.7 في المائة من إجمالي تلك القروض.
لقد سبق الحديث عن الضرورة القصوى لإيجاد التوازن بين كل من: العامل الأول (تسهيل التمويل العقاري اللازم للأفراد) كمحفز لجانب الطلب، والعامل الآخر (الرسوم على الأراضي) كمحفز لجانب العرض، والتأكيد على عملهما وفق منظومة متكاملة وشاملة، وأن تقوم بالدرجة الأولى على التوازن على مستوى سياسات وبرامج مواجهة هذا التحدي التنموي الراهن. ذلك أن العامل الأول يسهم في تعزيز القدرة المالية وتوفير السيولة اللازمة للفرد الساعي إلى تملك المسكن الملائم، فيما يسهم العامل الثاني في تحفيز ملاك الأراضي نحو تطوير مخزوناتهم الكبيرة من الأراضي، والدخول بها في حيز الانتفاع والاستخدام والتطوير والتشييد الذي منعت منه طوال الأعوام الطويلة السابقة، ومن أهم فوائده عدا مساهمته في محاربة الاحتكار والاكتناز الذي ثبتت أضراره تنمويا، وتحقيقا للهدف الثالث الرئيس ضمن أهداف النظام (حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية)، أنه سيسهم بدرجة ملموسة في تحقيق مزيد من عدالة الأسعار، ويؤدي إلى كبح تضخمها غير المبرر على المستويات كافة.
بعد كل ما تقدم أعلاه تبدو الصورة العامة واضحة للجميع، وتجيب بشكل دقيق جدا عن كثير من الأسئلة المرتبطة بجدوى الرسوم على الأراضي البيضاء، التي يتقدمها: لماذا لم تسهم رسوم الأراضي البيضاء في خفض الأسعار المتضخمة للأراضي؟ ولماذا حدث عكس كل ذلك بعودتها إلى الارتفاع مجددا، بل تجاوزها حتى مستويات ما قبل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء؟ لتتلخص الإجابة في هذين السؤالين الرئيسين في: (1) إن التطبيق الفعلي للنظام جاء أدنى من: أولا: الأهداف الرئيسة للنظام، وثانيا: التحديات والتشوهات القائمة على أرض الواقع في السوق العقارية. (2) افتقار السوق إلى التوازن اللازم بين العامل الأول (تسهيل التمويل العقاري اللازم للأفراد) كمحفز لجانب الطلب، والعامل الآخر (الرسوم على الأراضي) كمحفز لجانب العرض. وهو ما يؤكد في خلاصته النهائية أن كفاءة نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يتطلب رفعها وزيادة تأثيرها في تعاملات السوق العقارية مزيدا من الجهود الكبيرة والمستمرة، وأن يتقدم ويتوسع تنفيذ مراحلها التنفيذية بسرعة أكبر مما هي عليه الآن، وصولا إلى ترجمة الأهداف الرئيسة للنظام على أرض الواقع بشكل أكبر مما تحقق حتى تاريخه، وبما يلبي ويخدم بصورة ملموسة وحقيقية متطلبات الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء.
إنشرها