Author

شبكة مفتوحة وبيانات حساسة 

|

 

المخاوف والشكوك حيال انفتاح العالم بصورة متسارعة جدا على الساحة الإلكترونية، ليست جديدة، هذه المخاوف ظهرت مباشرة مع انتشار الأجهزة الإلكترونية المحمولة وغيرها من تلك التي ترتبط مباشرة بالشبكة الدولية (الإنترنت). وفي زمن قصير، صار الناس يعتمدون أكثر وأكثر على الإنترنت في تلبية احتياجاتهم من التسوق الغذائي اليومي إلى شراء السيارات والأجهزة الثقيلة، بل صار الرابط الإلكتروني الشخصي يوفر في كثير من الأحيان على مستخدمه زيارة الطبيب، عبر ملايين التطبيقات التي توفر كل الخدمات الممكنة بما في ذلك الطلب المباشر للدواء، وغير ذلك من خدمات، كالتدريب والتعليم وتقديم طلبات العمل، ومقابلات الحصول على الوظائف، فضلا عن إتمام كل ما يتعلق برحلاتك وإجازاتك، ومعاملاتك المالية المباشرة، وغيرها، حتى أن بعض التطبيقات تتصل بثلاجة المنزل، وتحدد المواد الغذائية الناقصة فيها وتطلبها. فأصبح التجسس الإلكتروني من أبرز التهديدات الأمنية الحديثة التي تتعرض لها الحكومات والمواطنين من طرف جهات مختلفة. وقد تضاعفت عمليات التجسس الإلكتروني مع التطور التكنولوجي الحاصل في خوادم الإنترنت، وكثر استغلال البيانات الشخصية وانتهاك خصوصياتها ولا ننسى أن العالم يدخل في ثورة جديدة متطورة يوما بعد يوم بما يسمى الذكاء الاصطناعي، حيث يتوقع أن تزداد حالات التعدي على المعلومات الشخصية الدقيقة والحساسة التي تهم الإنسان. إنه عالم واسع لا يتوقف في تمدده وتنوع خدماته، الأمر الذي دفع مؤشر حجم التجارة الرقمية إلى معدلات عالية في الأعوام العشرة الماضية. ومع التقدم الفني الإلكتروني، صار الأمر أكثر سهولة وسرعة وأقل تكلفة أيضا، وهذا ما يفسر مثلا تحويل أكثر من نصف عمليات تجارة التجزئة إلى الجانب الإلكتروني، ما أدى إلى إغلاق فروع رئيسة لمحال معروفة على مستوى عالمي. والأزمة التي نجمت عن تفشي وباء كورونا المستجد دعمت بقوة التحول الرقمي، بل قدمت مبررات مقنعة لضرورة الاعتماد على الرابط الإلكتروني في الحياة العامة والخاصة، إلى درجة أن هذا الرابط لبى الحاجة إلى مواصلة التدريس في فترة الجائحة العالمية المشار إليها، فضلا عن أنه صار المحور الرئيس لاجتماعات على مستوى رؤساء الدول. لكن هناك مشكلة خطيرة تتعلق بانتهاك الخصوصية واستغلال البيانات الشخصية لأسباب مختلفة من بينها تلك التي ترتبط بالترويج والإعلان والتسويق، فضلا عن استخدامها حتى في الابتزاز والتعدي على حقوق الغير. تقوم الحكومات حول العالم برصد أموال طائلة لإبقاء الأمر تحت السيطرة، إلا أنها لا تستطيع أن تقدم ضمانات محكمة في هذا المجال، فوفقا للخبراء، فإن جزءا كبيرا من مستقبل التجسس يكمن في الذكاء الصناعي، وهذا الأخير يتقدم على الساحة بصورة سريعة، فمعظم التجارة تتم اليوم عبر الشبكة الدولية، وليس واضحا لكل الأطراف المعنية، كيف يتم استخدام البيانات التي يتم جمعها عبر الأجهزة الإلكترونية المختلفة. بل يذهب البعض إلى نقاط بعيدة، باعتقادهم أن العولمة التكنولوجية ستزول، من جراء عدم وضوح الرؤية حيال هذا الأمر المعقد. ولأن الأمر وصل إلى هذا المستوى، فإن الأجهزة الأمنية في كل مكان تطلق التحذيرات تلو الأخرى، من أجل تحقيق أعلى مستوى من الأمان عبر الإنترنت والخدمات التي تتوافر من خلال الشبكة الدولية بشكل عام، فبالإمكان جمع البيانات الحساسة التي تتعلق بالأمن القومي، وهذا ما يفسر رفض الولايات المتحدة بعض التطبيقات الصينية مثلا، وغير ذلك من التطبيقات الأخرى، حتى التطبيقات المحلية يمكن اختراقها من جهات دولية، ما أجبر اليابان على تقليص استخدامها لتطبيق المراسلة الشهير "لاين"، بعد أن أقر موظفون، بأن شركة صينية استطاعت الوصول إلى المعلومات الخاصة من خلال هذا التطبيق، بما في ذلك الأسماء وأرقام الهواتف والتعريف وبعض الرسائل الحساسة جدا. لا أحد يمكنه أن يحسم هذا الأمر، طالما ظلت الشبكة الدولية مفتوحة ويعتمد عليها بشكل كبير، حتى في ظل إجراءات أمان مشددة تفرضها الحكومات في هذا البلد أو ذاك، والمشكلة ستظل حاضرة على الساحة الدولية، مع تجدد المخاطر من الاختراقات والوصول إلى المعلومات الحساسة، حتى من جانب العصابات والمحتالين. إنه عالم مفتوح وخطير جدا.

إنشرها