Author

السفينة الجانحة .. وإمدادات النفط

|
مختص في شؤون الطاقة
بدأ مشروع قناة السويس في 25 نيسان (أبريل) من عام 1859، حيث ضربت الفأس الأولى في أعمال حفر قناة السويس في مدينة فرما وهي موقع بورسعيد حاليا، بمشاركة نحو 20 ألف مصري وفي ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة. افتتحت قناة السويس في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1869، ومرت بمراحل وأحداث تاريخية وسياسية لا يسع المقال لذكرها، حيث أود أن أسلط الضوء هنا على أهمية قناة السويس من منظور اقتصادي، وأهمية هذه القناة في إمدادات الطاقة العالمية. لقناة السويس أهمية بالغة ليست حكرا على الشقيقة مصر بل للعالم بأسره، فهي ممر مائي صناعي يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس كحلقة وصل بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، تفصل بين قارتي آسيا وإفريقيا، وتعد أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والدول الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي وهي أكثر القنوات الملاحية كثافة من حيث الاستخدام. في عام 2020 مر نحو 19 ألف سفينة عبر هذه القناة، ويمر بهذه القناة 50 سفينة يوميا على الأقل، بأنواعها المختلفة على سبيل المثال لا الحصر، ناقلات النفط، وسفن الحاويات التجارية.
يعبر خلال هذا الممر الحيوي نحو 12 في المائة من التجارة العالمية بين الشرق والغرب، والملايين من براميل النفط، وأكثر من 9 في المائة من النفط العالمي المنقول بحرا الذي يتضمن النفط الخام والمنتجات البترولية. لذلك قناة السويس تعد أحد صمامات الأمن الطاقي العالمي، وأحد شرايين الاقتصاد العالمي الرئيسة، التي تعني المنتجين والمستهلكين لجل السلع والمنتجات. لمعرفة أهمية هذه القناة للاقتصاد العالمي برمته ومنه بلا شك إمدادات النفط بين الشرق والغرب، فلنأخذ حادثة السفينة الجانحة كمثال من أرض الواقع. يوم الثلاثاء الماضي دخلت ناقلة الحاويات العملاقة "إيفرجيفن" التي يبلغ طولها 400 متر إلى قناة السويس قادمة من الصين ومتجهة إلى ميناء "روتردام" في هولندا، لكن جنحت الناقلة العملاقة، بسبب عاصفة رملية بلغت سرعتها 40 عقدة تقريبا. أدى ذلك إلى انحراف السفينة عن المجرى المائي وارتطامها بالقاع، ما أدى إلى سد مجرى القناة كليا، وشل حركة الملاحة داخل قناة السويس تماما. بحسب "أرقام" في أحد تقاريرها، فإن أكثر ثلاثة دول مصدرة للنفط الخام والمنتجات النفطية عبر قناة السويس خلال العام الجاري، وهي روسيا بواقع 546 ألف برميل يوميا، تليها المملكة بنحو 410 آلاف برميل يوميا، والعراق بنحو 400 ألف برميل يوميا. هذا من جهة المصدرين، أما من جهة المستوردين فتتصدر الهند قائمة أكبر الدول المستوردة للخام والمنتجات النفطية عبر القناة بواقع 490 ألف برميل يوميا، تليها الصين بنحو 420 ألف برميل يوميا، ثم كوريا الجنوبية بنحو 380 ألف برميل يوميا.
شركة أليانز للتأمين تقدر خسائر التجارة العالمية الناجمة عن تعطل حركة الملاحة في قناة السويس، بسبب السفينة الجانحة بين ستة وعشرة مليارات دولار أسبوعيا. أسواق النفط تفاعلت سريعا مع هذه الحادثة وارتفعت أسعار النفط نحو 5 في المائة، بسبب التخوف من طول أمد تعطل الإمدادات النفطية عبر القناة، ما يؤكد أهمية هذه القناة وتأثيرها في الأسواق. أعتقد أن الشقيقة مصر قادرة - بإذن الله - على التعامل مع هذه الحادثة باحترافية وسرعة.
إنشرها