آليات رأسمالية المراقبة في طريقها للتغيير
آليات رأسمالية المراقبة في طريقها للتغيير
يحب عمالقة التكنولوجيا اصطياد منافسيهم على انفراد. مع ذلك، فوجئت بالضراوة التي هاجم بها أحد المنافسين: "أنموذج أعمال فيسبوك ليس مستداما. لا يمكن أن يكون المستخدمون منتجك".
وكأنما تريد إثبات صحة هذه النقطة، ستجري أبل تغييرات مهمة على نظام التشغيل iOS 14، أحدث نظام تشغيل لها، وهي تغييرات سيكون لها تأثير كبير في سوق الإعلانات الرقمية التي تزيد قيمتها على 300 مليار دولار. في المتوسط، يحتوي كل تطبيق يتم تنزيله من متجر تطبيقات أبل على ست أدوات تعقب يمكن استخدامها بواسطة فيسبوك والآخرين، لمتابعة المستخدمين في جميع أنحاء الويب، وجمع البيانات واستهداف الإعلانات. هذه إحدى الآليات الرئيسة لرأسمالية المراقبة، كما تسميها المؤلفة شوشانا زوبوف، التي هي على وشك التغيير.
أبل، التي لطالما دافعت عن تقليل جمع البيانات والتحكم في العملاء والأمان، ستقدم للمستخدمين خيارا روتينيا لاختيار خدمات التتبع هذه على التطبيقات. الافتراض هو أن الكثيرين لن يفعلوا، وهو ما يغير الوضع بشكل كبير للمعلنين والمطورين والشركات التي بنت خدماتها على هذه الأدوات. كانت فيسبوك تقود ثرثرة الاعتراض (التي تخدم مصلحتها الذاتية) على خطوة أبل، بحجة أن الشركات الصغيرة ستتضرر بشدة من هذه القواعد الجديدة. وكانت من قبل تحذر وول ستريت من أن هذا سيضرب أعمالها.
سيكون من المريح الاعتقاد بأن المنافسة الديناميكية بين شركات التكنولوجيا الكبرى تنجح حيث يفشل التنظيم البطيء إلى حد كبير. لكن قد يكون هذا صحيحا جزئيا فقط.
إذا اهتم المستهلكون بالموضوع بما فيه الكفاية، فيمكنهم تشجيع السباق إلى القمة عندما يتعلق الأمر بمعايير الخصوصية، عن طريق التبديل بين الخدمات وتحفيز التوتر التنافسي. لكن نظرا للشفافية والتعقيد في سوق تكنولوجيا الإعلانات والاختيار المقيد للمستهلكين، لم يتضح بعد كيف سيصبح وضع خطوة أبل. إنه أشبه بإطلاق رصاصة في معرض مرايا مزدحم، لا أحد يعرف أين سيسقط الزجاج.
هناك نوعان من المخاوف بشأن خطوة أبل: أولا، أنها لن تنجح. ثانيا، أنها قد تنجح نجاحا كبيرا يفوق الحد. كما ذكرت فاينانشيال تايمز هذا الأسبوع، يبدو أن الشركات الصينية طورت حلا بديلا لمبادرة شفافية التتبع من أبل حتى قبل إطلاقها. جمعية الإعلان الصينية المدعومة من الدولة، التي تضم ألفي عضو، لديها وسيلة جديدة لتتبع وتحديد مستخدمي آيفون تسمى CAID. بعض أكبر شركات الإنترنت في الصين، بما في ذلك بايت دانس وتنسنت، تختبر الأداة.
يشكل الحل الصيني معضلة لشركة أبل. يبدو من غير المحتمل أن تقوم باستبعاد جميع الشركات الصينية التي تستخدم CAID نظرا لاختلاط القوة التجارية والسياسية. ومع ذلك، لا يمكنها أن تغض الطرف عن مثل هذه الانتهاكات دون أن يؤدي ذلك إلى تشجيع جهود مماثلة في أماكن أخرى.
الشاغل الثاني لشركة أبل هو ما إذا كان تشديد نظام الخصوصية الخاص بها سيؤدي فقط إلى مزيد من التدقيق في قوتها السوقية من قبل المنظمين. فيما بينهما، تقوم أبل وجوجل بتشغيل أنظمة التشغيل المهيمنة المستخدمة في الهواتف الذكية ومتصفحات الويب الأكثر شيوعا، سافاري وكروم، إضافة إلى التحكم في متاجر التطبيقات الخاصة بهما. تدرس السلطات الفرنسية منذ الآن شكوى مقدمة من فرانس ديجيتال France Digitale، تمثل أكثر من 1800 شركة ناشئة ومستثمر، مفادها أن أبل نفسها تجمع بيانات المستخدمين دون إذن صريح منهم.
قال إريك سيوفير، وهو محلل للتكنولوجيا، لموقع ستراتشيري: "إذا أحدثت أبل الشلل في إعلانات الهاتف المحمول، فإن متجر التطبيقات يصبح نقطة الاكتشاف الأساسية للتطبيقات مرة أخرى، وتقرر شركة أبل كيفية استخدام الناس لأجهزة آيفون التي لدينا. أبل تعرف الخصوصية على أنها ما يفيد أبل".
يحقق المنظمون أيضا في جوجل، التي قالت إنها ستعطل ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث المستخدمة لتتبع عادات تصفح المستخدمين بحلول 2022. في الأسبوع الماضي أضافت تكساس و14 ولاية أخرى ادعاءات جديدة إلى دعوى مكافحة الاحتكار ضد جوجل، بحجة أن الخطوة الأخيرة مناهضة للمنافسة لأنها رفعت الحواجز أمام الدخول وعززت قبضة الشركة على سوق الإعلانات.
يجب إيجاد توازن بين الخصوصية المحسنة والمنافسة المقيدة. مثلا، التهمة الموجهة ضد اللائحة العامة لحماية البيانات العامة في الاتحاد الأوروبي التي تبلغ من العمر ثلاثة أعوام، هي أنها عفا عليها الزمن بالفعل وجعلت من الصعب على الشركات الناشئة الامتثال للوائح الخصوصية وتحدي الشركات القائمة. من الجدير بالثناء أن أبل تريد منح المستخدمين مزيدا من التحكم، لكن قد تكون لذلك تكاليف إضافية على المستخدمين. من المقلق كيف تعمل أبل وجوجل على تعزيز حديقتيهما المسورتين اللتين تقسمان الإنترنت فعليا.
سيكون كفاحا طويلا وفوضويا أن نعثر على التوازن الصحيح. لكن بالنظر إلى المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، فإن الأمر يستحق المثابرة ومواصلة المعركة.