Author

الديمقراطية الأمريكية إلى أين؟

|

توقفت صباح أمس أثناء قراءة الأخبار الدولية عند خبر موافقة الكونجرس الأمريكي على مقترح بايدن باعتماد 1.9 تريليون دولار لتخفيف أضرار كوفيد - 19، وذلك بتصويت جميع الأعضاء من الحزب الديمقراطي، وعدم التأييد من قبل أي من أعضاء الحزب الجمهوري! وهذا يعكس التحول - بدرجة ما - نحو الحزبية بعيدا عن مصالح الشعب، أليس كذلك؟!
الديمقراطية الأمريكية كانت تعد مثالا يُحتذى به في العالم على مدى العقود الماضية على الرغم مما تعانيه من جوانب قصور. ونتيجة للاعتزاز بهذه المكانة الدولية، تسعى الولايات المتحدة دوما، ومن ورائها بعض المنظمات الدولية، إلى نشر مبادئ الديمقراطية الأمريكية، وأساليب إرساء دعائمها، وأنظمة انتخاباتها في مختلف دول العالم النامي.
وبدأت ارهاصات الخلل في هذه الديمقراطية العتيدة في البروز بوضوح أكثر خلال حكم ترمب، فالوضع الاجتماعي للسكان في الولايات المتحدة أصبح أقل من الدول المتقدمة، وخاصة الأوروبية، من حيث الخدمات الاجتماعية والصحية. ومن البديهي أن ترتبط الديمقراطية بالعدالة والمساواة، واحترام الرأي الآخر، أي الاحترام المتبادل. وانكشفت عيوب الديمقراطية الأمريكية بشكل متزايد مع حدوث بعض الأزمات المتلاحقة، مثل: الأزمة المالية العالمية، ثم أزمة كوفيد - 19، ثم أزمة العدالة العرقية، ثم أزمة الانتخابات الأخيرة. ومن يصدق أن يرى بعض المواقف والأزمات في الديمقراطية الأمريكية العريقة، ففي أحد خطابات حالة الاتحاد في الكونجرس الأمريكي رفض الرئيس ترمب، مصافحة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ما حدا بها إلى تمزيق الخطاب فور الانتهاء من إلقائه. هذا يعكس غياب الاحترام المتبادل الذي لم نكن نتوقع حدوثه سوى في الدول المتخلفة. ويزداد مشهد التخلف الديمقراطي وغياب الاحترام المتبادل في البروز من خلال عدم حضور ترمب، حفل تنصيب الرئيس الجديد بايدن، وكذلك في المكالمة بين ترمب، وحاكم ولاية جورجيا، التي يحثه خلالها على تغيير نتائج الانتخاب، الأمر الذي قلما يحدث حتى في الدول النامية المتخلفة! وتزداد الأمور خطورة مع ظهور مجموعة نظرية المؤامرة المعروفة باسم "كيو أنون" QAnon التي تستند إلى خرافات لا يصدق حدوثها في دولة ديمقراطية تقود العالم من حيث العلم والتقنية والاتصالات!
إلى جانب ذلك، إليكم بعض التصنيفات التي تعكس وضع الديمقراطية الأمريكية، فبناء على مؤشر الديمقراطية الصادر عن "الإيكونوميست" Economist Inteligence Unit تحتل الولايات المتحدة المرتبة 25، في حين يحتل المراتب الأولى كل من: النرويج، وآيسلندا، والسويد ونيوزيلندا، وكندا، وفنلندا، والدنمارك. جدير بالذكر أن الدرجات التي تحصل عليها الولايات المتحدة في تناقص منذ 2006، ويقوم هذا التصنيف على عشرات المؤشرات التي تقيس الديمقراطية والمساواة والحريات المدنية والشفافية السياسية. وفي مؤشر حريات الإنسان Human Freedom Index الصادر عن معهد كاتو Cato institute، سجلت الولايات المتحدة المرتبة 17 لتأتي بعد كثير من الدول المتقدمة الأخرى. وتراجع تصنيف الولايات المتحدة في تقرير بيت الحرية Freedom House من 93 درجة في 2010 إلى 83 درجة في 2020.
أخيرا، تبقى المشكلة الكبرى في أن الولايات المتحدة لا تزال تؤمن بأنها نموذج ينبغي أن يحتذى به، ليس هذا فحسب، بل تحاول الضغط على الدول الأخرى لإصلاح وضع حقوق الإنسان بها. وأقول: شكرا على لطفك يا أمريكا، لكن أليس من الأجدى أن تصلحي حالك الداخلي أولا وتعطي الشعب الأمريكي ما يحصل عليه المواطن في النرويج والسويد والدنمارك ونيوزيلندا وأستراليا من خدمات اجتماعية وأنظمة حماية من الفقر والتمييز العرقي ونحوها؟!

إنشرها