تراجعت أسعار النفط الخام أمس، بفعل التطمينات، التي أطلقتها السعودية بشأن أمن إمدادات الخام وانحسار المخاوف على العرض في السوق، كما ساهم ارتفاع الدولار الأمريكي في كبح مكاسب الخام، وفق العلاقة العكسية بينهما.
وعلى الرغم من الانخفاض ما زالت أسعار النفط الخام تتلقى دعما قويا من قرار مجموعة "أوبك+" تثبيت مستوى الإنتاج في نيسان (أبريل) المقبل، إضافة إلى تمديد السعودية للتخفيضات الطوعية شهرا إضافيا، كما يساهم تسارع وتيرة توزيع لقاحات كورونا في زيادة الآمال في تعافي الطلب واستئناف جزء كبير من الحياة الطبيعية بحلول الصيف المقبل.
وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن أسعار النفط الخام تراجعت من أعلى مستوياتها في عدة أعوام بعد أن أظهرت المؤشرات أن الإمدادات مستقرة، ولكن السوق ما زالت هشة، خاصة فيما يتعلق بتقييم وضع تعافي الطلب، وهو ما أدى إلى امتداد موجة التقلبات السعرية المتلاحقة.
وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس، مساعد مدير بنك "زد ايه إف" في كرواتيا إن التطمينات السعودية إلى استقرار الإمدادات النفطية أدت إلى تراجع المخاوف، التي كانت قد ألهبت أسعار النفط منذ الأحد الماضي.
وأشار إلى أن تقلص المخزونات النفطية وتمسك مجموعة "أوبك+" بقيود الإنتاج المشددة حتى أبريل المقبل وفر دعما قويا للأسعار، ولكن الأسعار تواجه ضغوطا عكسية ممثلة في جني الأرباح وانتشار أنشطة المضاربة، إضافة إلى تواصل صعود الدولار بشكل قوي.
ومن جانبها، تقول الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة إن تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات الجائحة ليست مهمة سهلة في ظل معطيات السوق الراهنة وبخاصة استمرار حالة الإغلاق والتحذيرات الدولية من تحور الفيروس، خاصة السلالة البرازيلية، التي يقول المختصون إنها تقاوم اللقاحات وتصيب المتعافين مرة أخرى.
وأضافت أن عملية تعافي الطلب ستكون بطيئة وتدريجية أكثر من المتوقع سابقا، مشيرة إلى
أن توقعات صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لهذا العام والعام المقبل تنبه إلى أن بعض الاقتصادات الأوروبية لن تعوض الناتج المحلي الإجمالي المفقود حتى 2022 لافتة إلى أن توقعات الطلب في أوروبا أكثر قتامة من الطلب الآسيوي، الذي يتعافى بوتيرة جيدة وسريعة ولكن الطلب الآسيوى يواجه حاليا تحديا جديدا وهو ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل كبير، ما يزيد الأعباء التضخمية على الاقتصادات الآسيوية النامية.
ويرى، ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات أن أسعار النفط كانت تحت ضغوط صعودية مزدوجة في توقيت واحد بعد الهجوم على محطة رئيسة لتصدير النفط الخام السعودي بالتوازي مع تخفيضات إنتاج "أوبك+"، حيث تصر المجموعة على الحفاظ على قيود العرض حتى يعود الطلب بقوة، مشيرا إلى تأكيد بيانات صادرة عن بنك "ستاندرد تشارترد" أن تقييد المعروض للمجموعة أسهم بشكل كبير في تضييق السوق وامتصاص فائض المخزونات.
وأشار إلى أن الطلب على الوقود بشكل عام مبشر خاصة في ولاية كاليفورنيا- أكبر ولاية أمريكية– حيث إنه آخذ في الارتفاع، ما يدعم التفاؤل بتعافي الصناعة تدريجيا، ولكن الطلب يواجه في الوقت نفسه، ضغوطا عكسية بسبب الإصابات والإغلاق نتيجة وباء كورونا إضافة إلى أعمال الصيانة في حقول نفط بحر الشمال.
ويقول أندريه يانييف الباحث البلغاري ومختص شؤون الطاقة إن شركات النفط الصخري الأمريكي تركز في المرحلة الحالية على إرضاء المساهمين وتوزيع الأرباح وتتمهل في عودة زيادة الإنتاج بسبب عدم استقرار السوق على الرغم من مستوى الأسعار القوي والمحفز على مزيد من الإنتاج، مشيرا إلى أن الشركات الأمريكية ستعود تدريجيا إلى زيادة الإنتاج بعد تعزيز مراكزها المالية وتقليل ضغوط المديونية، لافتا إلى أن شركة "شيفرون" العملاقة- على سبيل المثال- تخطط لزيادة الاستثمار في حوض برميان حتى 2025، ما يعكس الرغبة في التغلب على تراجع الإنتاج الناجم عن الوباء.
ولفت إلى أن الاستقرار السياسي في ليبيا سيؤدى إلى زيادة إنتاج النفط والاستفادة من الإعفاءات التي تتمتع بها في إطار تحالف "أوبك+"، مشيرا إلى أن التحالف يتعامل بحذر أيضا مع زيادات محتملة في إنتاج فنزويلا وإيران في حالة تخفيف العقوبات الأمريكية عليهما.
ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، بعد انحسار المخاوف من تعطل إمدادات النفط، تراجعت أسعار النفط إلى أقل من 68 دولارا للبرميل للجلسة الثانية على التوالي خلال الشهر الجاري.
وفي ظل القلق حيال ارتفاع الدولار، الذي قد يعرقل عملية الطلب، انخفض خام برنت بنحو 1 في المائة، بعد أن تخطى الـ 71 دولارا هذا الأسبوع، وهو أعلى مستوى له منذ كانون الثاني (يناير) 2020.
واستقرت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي عند نحو 64 دولارا للبرميل، بعد أن سجلت أعلى مستوياتها هذا الأسبوع منذ أكتوبر 2018.
وفي حين انخفضت المخزونات النفطية الأمريكية بشكل قياسي بعد إغلاق المصافي منذ أسبوعين بسبب العاصفة الثلجية، التي اجتاحت ولاية تكساس الأمريكية، اتخذت مجموعة "أوبك+" خلال اجتماعها الشهر الجاري قرارا بتمديد تخفيضاتها للإنتاج.
في سياق متصل، توقعت الرئيسة التنفيذية لشركة أوكسيدنتال بتروليوم أن يكون هناك صعوبة في عودة إنتاج النفط الأمريكي إلى مستوياته المرتفعة، التي كان قد سجلها في مرحلة ما قبل وباء كورونا، التي كانت قد وصلت إلى نحو 13 مليون برميل يوميا.
يذكر أن أسعار النفط كانت قد تلقت بعض الدعم أيضا وارتفعت بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على حزمة التحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار، ما رفع من توقعات الانتعاش الاقتصادي لعام 2021.
ومن جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 66.38 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 68.17 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الأربعاء إن سعر السلة، التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب عدة ارتفاعات سابقة، وأن السلة كسبت نحو خمسة دولارات مقابل اليوم نفسه من الأسبوع الماضي والذي سجلت فيه 61.49 دولار للبرميل.

