default Author

ظهور الأدلة حول سياسات أسعار الفائدة السالبة «2 من 2»

|
وحول الحديث عن السياسات العامة، فقد هبطت أسعار الفائدة على ودائع الشركات بدرجة أكبر من أسعار الفائدة على ودائع الأفراد، لأن التحول إلى السيولة النقدية أكثر تكلفة على الشركات منه على الأفراد. وزادت أحجام القروض المصرفية بوجه عام. ونظرا لعدم ظهور تحول ملحوظ إلى السيولة النقدية من جانب البنوك ولا عملائها، فإن أسعار الفائدة قد تتوغل في الاتجاه السالب قبل أن يحدث هذا التحول.
وحول الوضع الراهن الآن، فقد كانت الآثار المعاكسة محدودة حتى الآن على أرباح البنوك والاستقرار المالي. فعلى وجه الإجمال، لم تتدهور أرباح البنوك، رغم أن البنوك الأكثر اعتمادا على الودائع كمصدر للتمويل، وكذلك البنوك الأصغر والأكثر تخصصا عانت بدرجة أكبر. وقامت البنوك الأكبر بزيادة الإقراض، وطبقت رسوما على حسابات الإيداع، واستفادت من المكاسب الرأسمالية. وبالطبع، قد يكون عدم وقوع تأثير ملموس في ربحية البنوك راجعا في معظمه إلى الآثار الأقصر أجلا، ويمكن أن تتخذ مسارا مخالفا مع مرور الوقت. وقد تنشأ آثار جانبية أيضا إذا توغلت أسعار الفائدة الرسمية في الاتجاه السالب.
ولم تشهد صناديق سوق المال انهيارا في البلدان التي اعتمدت سياسات أسعار الفائدة السالبة. حتى إذا كانت البيئة الحالية لأسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة تثير بالفعل بواعث قلق تتعلق بالاستقرار المالي، إذ إنها تدفع المؤسسات المالية إلى البحث عن العائد المرتفع أو الإفراط في المخاطرة، فلا يبدو أن سياسات أسعار الفائدة السالبة في حد ذاتها قد أدت إلى تفاقم المشكلة. فمثلا، لا يبدو أن زيادة المخاطرة من جانب البنوك كانت مفرطة.
وفي ضوء هذه الأدلة، لماذا لم تبادر بنوك مركزية أخرى إلى اتخاذ المسار نفسه؟ من المرجح أن تكون الأسباب مرتبطة بالخصائص المؤسسية في البلد المعني وغيرها من الخصائص القطرية. فالقيود المؤسسية والقانونية قد يكون لها دور في هذا الصدد، وبعض النظم المالية، نظرا لهيكلها أو روابطها المتبادلة مع الأسواق المالية العالمية قد تكون أكثر عرضة للآثار الجانبية المعاكسة التي تحدثها سياسات أسعار الفائدة السالبة. ومثال ذلك أن البلدان التي تكثر فيها البنوك الصغيرة المعتمدة على ودائع قطاع الأسر كمصدر أساسي للتمويل قد تكون أكثر إعراضا عن اعتماد أسعار الفائدة السالبة. حتى البنوك المركزية التي اعتمدت هذه السياسات، فقد تحركت صوبها على سبيل التجربة المبدئية، وذلك في العادة من خلال تخفيضات صغيرة في أسعار الفائدة تحسبا لمخاطر ظهور الآثار الجانبية السلبية بمزيد من الوضوح إذا استمرت سياسات أسعار الفائدة السالبة لفترة بالغة الطول، أو إذا توغلت أسعار الفائدة في الاتجاه السالب.
خلاصة الأمر: إن الأدلة تشير حتى الآن، إلى نجاح سياسات أسعار الفائدة السالبة في تيسير الأوضاع المالية دون إثارة مخاوف كبيرة بشأن الاستقرار المالي. وبالتالي، فإن البنوك المركزية التي اعتمدت أسعار فائدة سالبة قد تستطيع تخفيضها بدرجة أكبر. أما البنوك المركزية التي لا تطبق هذه السياسات، فعليها ألا تستبعد إضافة سياسة مشابهة إلى مجموعة الأدوات المعتمدة لديها، حتى إن لم يكن من المرجح أن تستخدمها. وفي نهاية المطاف، نظرا لانخفاض مستوى سعر الفائدة الحقيقي المحايد، فقد يضطر كثير من البنوك المركزية، إلى النظر في اعتماد سياسات أسعار الفائدة السالبة عاجلا أم آجلا.
إنشرها