FINANCIAL TIMES

سندات الخزانة .. يجب تجنب تكرار لغز من الفاعل

سندات الخزانة .. يجب تجنب تكرار لغز من الفاعل

متداولون يعملون لدى دويتشه بانك.

في هذا الشهر، يخيم لغز "من الفاعل" - أو "ما هو الفاعل" - على الأسواق. لا، الأمر لا يتعلق بالتقلبات في أسعار عملة "بيتكوين" أو أسهم جيم ستوب.
بدلا من ذلك، القضية تتعلق بقطاع سندات الخزانة الأمريكية الذي تبلغ قيمته 21 تريليون دولار. في آذار (مارس) 2020، عندما ضرب كوفيد - 19 الغرب، تراجعت أسعار سندات الخزانة مع انهيار سيولة السوق. كان ذلك صادما في قطاع يعد عادة "أكبر سوق للأوراق المالية الحكومية وأكثرها سيولة في العالم"، وفقا للاحتياطي الفيدرالي.
في النهاية أنهى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي انسداد السوق من خلال تدخلات غير مسبوقة، وأٌقدم الاحتياطي الفيدرالي نفسه على التهام سندات الخزانة. بعد عودة السلام، بدا أن بعض المستثمرين - والسياسيين - يميلون إلى إخفاء حالة الرعب تلك. لكن بعد مرور عام، نحتاج إلى حل لغز ما حدث لثلاثة أسباب. أولا، اقترب النظام من الكارثة. أو، كما لاحظ راندال كوارلز، وهو محافظ في الاحتياطي الفيدرالي: "لفترة من الوقت في ربيع 2020 كانت النتيجة - كما قال دوق ويلينجتون عن واترلو – ’حساسة للغاية‘".
ثانيا، ستواجه سوق السندات ضغوطا جديدة إذا (أو عندما) يتم تشديد السياسة النقدية الأمريكية. في الأسبوع الماضي بدأت الأسواق في الاهتزاز بشكل مقلق مرة أخرى مع ظهور مخاوف التضخم.
ثالثا، مصدر اضطرابات آذار (مارس) غير مفهوم على نطاق واسع. هذا أمر مزعج إذا كنت تريد وضع سياسة لتجنب تكرار حادثة معينة. في البداية عمليات التحقق والبحث من الاحتياطي الفيدرالي أشارت إلى أن صناديق التحوط هي المسؤولة. بعد فترة وجيزة من الحدث، أفاد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن "المستثمرين الذين اشتروا سندات الخزانة في السوق النقدية وتحوطوا من مخاطر أسعار الفائدة من خلال العقود الآجلة بدأوا في تفكيك تلك المراكز مع ارتفاع أسعار العقود الآجلة، ما أدى إلى حلقة من ردود الفعل".
استدعى ذلك ذكريات كارثة 1998 حول صندوق لونج تيرم كابيتال مانيجمنت، ودفع مجلس الاستقرار المالي إلى الدعوة إلى اتخاذ إجراءات "لمعالجة نقاط الضعف في الوساطة المالية غير المصرفية" - أي مزيد من الرقابة والضوابط. هذه الدعوة منطقية بشكل عام. انفجر قطاع الوساطة المالية غير المصرفية منذ 2008، ولا يزال غامضا بشكل مثير للقلق. قلة من المراقبين كانوا حتى يعرفون أن صناديق التحوط كانت معرضة بشدة لسندات الخزانة قبل آذار (مارس) 2020.
لكن تحقيقا لاحقا من الاحتياطي الفيدرالي يشير أيضا إلى أنه من الخطأ إلقاء اللوم على صناديق التحوط وحدها. أحد الأسباب هو أن مؤسسات أجنبية تخلصت أيضا من سندات الخزانة بطريقة مزعزعة للاستقرار. ثانيا، كان سلوك بعض البنوك الكبرى في وول ستريت غريبا. في الأعوام الماضية، تصرفت البنوك بسعادة كصناع سوق في قطاع سندات الخزانة، على اعتبار أنها تمتلك كميات هائلة من هذه السندات. وبشكل أكثر تحديدا، يلعب الوسطاء دورا حاسما في أسواق إعادة الشراء (الريبو) حيث يقوم المستثمرون بجمع التمويل عن طريق مبادلة السندات بالنقد، وبالتالي تشحيم عجلات التمويل.
لكن في أواخر العام الماضي، أشار تقرير صادر عن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى أنه خلال الاضطرابات في آذار (مارس) 2020 "بالنسبة للأوقات العادية، لم يجعل المتداولون أوراقهم المالية متاحة بالقدر نفسه للمشاركين الآخرين في السوق"، على الرغم من ارتفاع مخزونهم من سندات الخزانة. بلغة بسيطة، هذا يعني أن الوسطاء الماليين دخلوا سرا في إضراب. لم يكن الجيشان مجرد مشكلة طلب – بمعنى أنه لن يشتري أحد سندات الخزانة - بل كان مشكلة عرض، لأن الوسطاء توقفوا عن إبرام الصفقات، حتى من أجل إعادة الشراء.
هذا أمر مقلق، لأنه يشير إلى قضايا هيكلية أكبر. يعتقد كوارلز أن كارثة آذار (مارس) تظهر أن سوق سندات الخزانة البالغة 21 تريليون دولار "ربما تكون قد فاقت قدرة البنية التحتية للسوق الخاصة على دعم الإجهاد من أي نوع". ويرجع ذلك جزئيا إلى أن ديون الولايات المتحدة تستمر في التوسع. لكن السبب أيضا هو أن إصلاحات ما بعد 2008 رفعت من هوامش رأس المال التي تحتاج إليها البنوك للقيام بأنشطة صناعة السوق، ما أدى إلى تجنبها. في كلتا الحالتين، الوضع يشبه فيلا دائم الانتفاخ يحاول الحفاظ على توازنه على كرة متقلصة: إذا كانت الأرض لا تزال ثابتة فقد يبدو الوضع مستقرا، لكن إذا لم يكن الأمر كذلك فمن السهل السقوط.
هل يمكن إصلاح هذا؟ ليس بسهولة. من غير المرجح أن تنفذ إدارة بايدن أي تراجع عن إصلاحات ما بعد 2008. بل إنها حتى أقل احتمالا لتقليص الديون. لكن بحثا حديثا من معهد بروكينجز يحدد الخطوط العريضة لبعض خيارات السياسة، مثل المراقبة الأفضل للمؤسسات المالية غير المصرفية وتعديلات تنظيمية تجعل من السهل على الوسطاء أن يكونوا صناع السوق.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن البحث يدعو أيضا إلى "النظر بجدية في تفويض لاستخدام أوسع للمقاصة المركزية لأوراق الخزانة المالية" و"تسهيلات ريبو دائمة جديدة للاحتياطي الفيدرالي تكون بمنزلة دعامة للنظام المالي الأمريكي من خلال توفير التمويل للمتداولين الخاضعين للتنظيم بضمانة وزارة الخزانة الأمريكية والوكالات".
هل يمكن أن ينجح هذا؟ يتم تنفيذ الفكرة الأخيرة بالفعل على أساس مؤقت مفترض، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي بكبح الأعمال الدرامية لشهر آذار (مارس) 2020 فقط من خلال تقديم تدابير "طارئة" لدعم أسواق الريبو. هذا توسيع مذهل لدور البنك المركزي، لكنه أثار القليل من الاحتجاج، ربما لأن قلة من الخارجيين يفهمون الريبو.
لكن الاعتماد على تدابير الطوارئ المخصصة ليس طريقة جيدة لرسم السياسة، لأسباب ليس أقلها أنها تسبب مخاطر أخلاقية. لذلك ينبغي للاحتياطي الفيدرالي الآن أن يشرح للجمهور بلغة سهلة الفهم سبب المشكلة، وكيفية تجنب تكرارها.
في هذا الصدد، سيكون من المنطقي إنشاء تسهيلات دائمة للريبو. هناك عيوب كبيرة لتمديد تفويض بنك الاحتياطي الفيدرالي أبعد (حتى) من ذلك. لا أحد يريد أن يصبح النظام أكثر اعتمادا على البنوك المركزية. لكن لا يمكننا تحمل أن تغرق سوق سندات الخزانة مرة أخرى، على الأقل مع تصاعد المخاوف من التضخم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES