مكاسب الشدة

في تقديري أن دراسة "تداعيات الحظر الكلي والجزئي على الأسرة في المجتمع السعودي"، التي أعدها مجلس شؤون الأسرة بالتعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز، تعد ضمن "علم اجتماع الأوبئة"، الذي يهتم بدراسة آثار الأوبئة، ولعل الدراسة اختارت جزئية مهمة هي "الحظر"، كونها التجربة الأولى للسعوديين أو أغلبهم.
رغم أن الحظر كتجربة لا يعد أمرا مستحسنا، كونه نتيجة نظامية أو موضوعية لجائحة، إلا أنه وتبعا لنتائج الدراسة التي غطت عينتها جميع المناطق وشملت السعوديين والمقيمين، فإن الآثار في تفكير وسلوك الأسرة كلها، وفي أفرادها، كانت إيجابية، ربما لأن الجائحة والحجر تعدان من "الشدائد" والملمات. أهم أرقام الدراسة - وكل ما فيها مهم - أن 69 في المائة من العينة رأت أن الحظر المنزلي زاد من الوعي الصحي، وأن 74 في المائة ذكروا أنهم سيصبحون أكثر حرصا في التعامل مع الأمراض الوبائية، فيما رأى 91 في المائة أن الحظر أسهم في تعزيز العلاقات والتواصل والحوار الفاعل، واستشعار أهمية توزيع الأدوار والمهام المنزلية، ومشاركة الوالدين لأبنائهم في الألعاب الجماعية.
على المستوى الاقتصادي، أفادت عينة الدراسة بأن الحظر المنزلي أسهم في تعزيز ثقافة الادخار، 56 في المائة، وتوجهت 45 في المائة من الأسر إلى تدريس أبنائها في مدارس حكومية بدلا من المدارس الخاصة، فيما اعتمدت 76 في المائة على الطعام المنزلي بدلا من المطاعم والوجبات السريعة.
الادخار والأكل من طعام المنزل فائدتان عظيمتان جدا ينبغي التركيز عليهما مستقبلا من قبل الأسر نفسها، ومن قبل الجهات ذات العلاقة في الحكومة، لأن آثارهما الاقتصادية والصحية والاجتماعية كبيرة وعميقة على مستقبل الأجيال.
هذه الجائحة كشفت الإنسان في كل مكان أمام نفسه، اكتشف هشاشته وضعفه أمام مخلوقات أخرى، وأمام الطبيعة التي أفرط في الانتقاص منها، وبالطبع أمام نفسه التي ربما أفرط في تضخيمها، كأنا، وذات توهمت أنها بلغت أوج الحضارة.
ضاعفت هذه الجائحة من استخدام الإنسان عقله، العقل الذي أخبره بأن عليه أن يزيد من وعيه الصحي، ومن ادخاره، ومن علاقته بأسرته - كما أثبتت الدراسة - ومن زيادة تفاعله مع المجهود الحكومي والشعبي، وهو - كما أفترض - سيخضع عقله والعقل الجمعي لنقد مختلف يساعده على العثور على ما فقده في مراحل تطوره السابقة.
شكرا لمجلس شؤون الأسرة على هذا الثراء والإثراء الاستدلالي، الذي يجب أن يحفز الباحثين للمزيد، والمجتمع للاعتبار والمحافظة على مكاسب هذه الشدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي