Author

عوائق أمام خطط واشنطن الآسيوية

|
في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لوحظ أن اليابان التي تعد الحليف الآسيوي الأكبر والأقدم للولايات المتحدة في الشرق الأقصى منزعجة من ردود أفعال واشنطن الباردة والمترددة حيال التدخل الروسي في سورية. وقتها تساءل اليابانيون عن شكل الرد الأمريكي في حال تعرض بلدهم لعدوان خارجي، وعما إذا كان الأمريكيون سيلتزمون بحمايتهم عسكريا أم أنهم سيتخلون عن مسؤولياتهم الدفاعية. وقتها ظهرت أيضا دعوات يابانية بضرورة الاعتماد على النفس من خلال تطوير القدرات العسكرية الذاتية والتنسيق الدفاعي مع الدول الآسيوية الصديقة وتوسيع دورها في المنطقة بدلا من انتظار نجدة الولايات المتحدة التي قد لا تأتي.
وبخروج أوباما من البيت الأبيض ووصول الرئيس دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة وما تبناه خلال عهده من سياسات جديدة داعمة للحلفاء ومتصدية للإضرار بنفوذ بلاده في الشرق الآسيوي، ساد نوع من الارتياح في طوكيو التي راح قادتها يعملون على دعم ومساندة الدور في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لجهة حفظ الأمن وتأمين السلام والاستقرار في مواجهة الأطراف التي تسعى للإخلال بالنظام الإقليمي وقواعد القانون الدولي.
ومنذ عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض بقيادة الرئيس جو بايدن عادت الشكوك والأسئلة القديمة تلوح في أذهان الزعماء اليابانيين، خصوصا لجهة مدى تمسك الإدارة الأمريكية الجديدة بمسؤولياتها في حماية اليابان والدفاع عنها في أي أزمة بينها وبين جاراتها.
غير أن تلك الشكوك تراجعت نسبيا على ضوء مواقف بايدن المعلنة وتصريحات طاقمه من أن واشنطن عازمة على تشكيل جبهة موحدة مع طوكيو لتنفيذ استراتيجية جديدة في المحيط الهادئ ومنطقة الباسيفيكي قوامها التصدي لطموحات الصين. ولعل ما عزز ذلك الاتصالات الهاتفية التي جرت أخيرا بين مسؤولي البلدين الحليفين، وأكد الجانب الأمريكي خلالها وقوفه إلى جانب اليابان في قضية السيادة على جزر سينانكو/ دياويو المتنازع عليها بين طوكيو وبكين منذ عام 1895، والتزامه بالضمانات الأمنية المعروفة لحماية اليابان ضد أي اعتداء خارجي والقائمة منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية، علاوة على التزامه بفكرة منطقة المحيطين الهادئ والهندي الحرة المفتوحة التي تفضلها طوكيو.
في خضم الحديث عن ترتيب علاقات البلدين وتعزيزها وقع الانقلاب العسكري في ميانمار في الأول من شباط (فبراير) الماضي، ليكون هذا الحدث المفاجئ أول اختبار للإدارة الأمريكية الجديدة حيال الشأن الآسيوي، وأيضا أول امتحان يواجه العلاقات الأمريكية - اليابانية في عهد بايدن. وكما هو معروف سارعت واشنطن إلى إدانة انقلاب ميانمار والتهديد بفرض عقوبات على قادته من منطلق تمسكها المزعوم بترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الثالث. في الوقت نفسه انضمت طوكيو إلى قائمة الدول المستنكرة لما حدث في ميانمار، لكنها بدت أكثر حذرا في موقفها، ولا سيما لجهة اتخاذ خطوات عقابية ضد جنرالات ميانمار القمعيين. وفي هذا السياق، قيل: إن ما أملى على طوكيو مثل هذا الموقف الحذر هو خوفها من أن يؤدي تلويحها بالعقوبات إلى ردود أفعال غير مرغوبة من قبل أولئك الجنرالات مثل تقويض ما استثمرته طوكيو في هذا البلد منذ عودتها إلى الطريق الديمقراطي والحكم المدني خلال الأعوام القليلة الماضية، وخوفا أيضا من احتمال أن يؤدي أي ضغط ضد العسكر إلى توجههم أكثر فأكثر نحو توثيق علاقاتهم مع الصين.
غير أن اختلاف البلدين حول طريقة التعامل مع الوضع الجديد في يانجون مجرد اختلاف طارئ، ولا يمس أسس تحالفهما، وإن عكس مدى التباين بينهما حيال كيفية التعامل مع القضايا والمستجدات الخاصة بالشرق الآسيوي. فعلى حين يندفع الأمريكيون كعادتهم نحو سياسة الضغط والتلويح بعصا العقوبات، يتمسك اليابانيون بمبدأ أن الضغوط المفرطة لن تساعد في عملية التحول الديمقراطي في آسيا بسبب خصوصيات وظروف المنطقة المختلفة التي يجهلها الأمريكيون أو يتجاهلونها عمدا، مشيرين كدليل إلى فشل واشنطن الذريع في ممارسة الضغط على الصين، وإجبار حلفائها الآسيويين على الالتزام بالنهج ذاته، على خلفية حادثة ساحة تيان إن مين في بكين عام 1989.
من الأمور الخلافية الأخرى بين واشنطن وطوكيو، علاقة الأخيرة مع كوريا الجنوبية التي يسودها البرود منذ عامين تقريبا على خلفية عودة المسائل التاريخية المعلقة بينهما للبروز على السطح. وحول هذا الملف تبدو إدارة بايدن مهتمة باستعادة التعاون والتنسيق الثلاثي الأمريكي - الياباني - الكوري الجنوبي، وتعزيزه من أجل التصدي للصين. وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في قيام بايدن ووزير خارجيته أنتوني بليكين بإرسال رسائل لطيفة إلى طوكيو وسيئول تدعوانهما فيها إلى ضرورة التحرك السريع لإصلاح علاقاتهما البينية والتنسيق مع واشنطن من أجل مزيد من التعاون الإقليمي وإنشاء شبكات الأمن الإقليمية القادرة على مواجهة التهديدات النووية والباليستية من جانب النظام الكوري الشمالي، وسد أي ثغرة قد تنفذ منها بيونجيانج وحلفاؤها.
المراقبون الذين تابعوا هذه التطورات لاحظوا أن يوشيهيدي سوجا رئيس الحكومة اليابانية وموتيجي توشيميتسو وزير خارجيته، لئن كانا مؤيدين تماما لفكرة تعزيز التحالف الثلاثي كأمر ضروري لمواجهة بيونجيانج وحلفائها وبرامجها النووية المزعزعة للأمن والاستقرار في الشرق الأقصى، فإنهما يفضلان ألا تتدخل واشنطن في قضية النزاع التاريخي بين طوكيو وسيئول من خلال الضغط على الطرفين، مفضلين معالجة القضايا المعلقة بين البلدين بصورة بينية.
إنشرها