Author

مرقوق وكافيار

|
يقول أنطون تشيخوف، "لا يوجد ما هو أكثر فظاعة وإهانة ومدعاة للكآبة مثل التفاهة".
تذكرت هذه المقولة وأنا أستمع إلى صديقتي وهي تحدثني عن موقف طريف حدث أمامها في إحدى مناسبات الزواج، تقول " كنت أحمل صحني أمام بوفيه الطعام الفاخر وأضع فيه بعضا من الأصناف التي أحبها، وكانت أمامي سيدتان يظهر الثراء الباذخ على مظهريهما بشكل مبالغ فيه، فرغم تجاوزهما الـ60 من العمر فقد كانتا ترتديان ملابس لا تتلاءم حتى مع امرأة ثلاثينية، وتضعان عقودا وأساور وخواتم ذهبية تجعل الرائي لهما يظن أنه أمام (فاترينة) محل ذهب متحركة، وسمعت إحداهما تشير إلى الأخرى أن تأخذ شيئا من المرقوق الذي يبدو شهيا فردت عليها قائلة، (تذكرين يوم نخلطه مع الكافيار الطعم خيال)، عندها بالكاد كتمت ضحكة كادت تتسبب لي بالحرج"، وتتابع صديقتي قولها، "فيما بعد عرفت أن هاتين المرأتين شقيقتان ورثتا من والدهما البخيل أكثر من 40 مليون ريال وعقارات لا حصر لها، وانقلبت حياتهما رأسا على عقب بعد أن كانتا فقيرتين تسكنان في حي شعبي في الرياض، وهما تحاولان منذ نزل عليهما هذا الثراء المفاجئ محو ذلك الماضي التعيس بقطع علاقاتهما الاجتماعية مع أقاربهما وجيرانهما ومعارفهما وطمس كل ذكريات تلك البيئة التي تعدانها ماضيا يجب أن يتم نسفه تماما و(ترقيع) هذا النقص من خلال إظهار الثراء المبالغ فيه واستعراض مجوهراتهما وسفرياتهما ومزج المرقوق مع الكافيار!".
بقدر ما ستضحكك مثل هذه المواقف فإنها حتما في لحظة ما ستدفعك إلى البكاء وأنت ترى كيف يحاول البعض أن يتنازل عن كثير من قيمه ومبادئه وربما أخلاقه ليحقق مستوى اجتماعيا مزيفا يعتقد أنه سيضيف إليه قيمة ما، نحن كمجتمعات إنسانية نعيش في طبقات مختلفة ولا يعني ذلك أن الأعلى هم الأفضل والأدنى هم الأسوأ، لكن البعض يعتقد أن كونه فقيرا في الماضي فهذا انتقاص من قدره في الحاضر لذلك نرى "حديثي النعمة" سواء من حصل على ورث مفاجئ أو شهرة غير متوقعة فتحت له أبواب الثراء كـ"فاشينستات" وسنابيين أو غيرهم، يحاولون باستماتة مبالغة أن يستعرضوا مظاهر البذخ التي يمتلكونها ويتفاخرون بكونهم أصبحوا من الطبقة المخملية وهنا يكمن الخلل وانهيار القيم الإنسانية حين يقوم هؤلاء بتوصيل فكرة موجعة للطبقة المتوسطة بالدونية وبالعجز وعدم القدرة على الوصول لمستواهم.
وخزة
الأشخاص الذين يمزجون المرقوق مع الكافيار هم أخطر فئة في المجتمع تدعو للطبقية والتأثير في العقول بإثارة سخط الطبقة المتوسطة على أحوالهم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها