Author

عندما تصل الخدمات العبثية إلى التعليم

|
منصات التواصل الاجتماعي قربت البعيد، مهما كانت المسافة، وأضفت على حياة الناس كثيرا من التغيرات، فيها الإيجابي، وفيها السلبي لما له من علاقة باستبدال قيم وغرس قيم جديدة، والترغيب في سلوك، والتنفير من سلوك، حسب قيم، ومصالح صانع التغريدة، أو المشهد، أو المقال، وغيرها، سواء كان المرسل معلوما بهويته الصحيحة، أم بهوية مستعارة ليتحقق التأثير عند المتلقي، ولو بصورة نسبية، حسب قناعته، وحاجته، وقيمه، ومبادئه.
أقرأ في "تويتر" تغريدات على هيئة دعاية، ودعوات من جهات، غالبا ما تكون مجهولة المصدر للمتلقي غير المختص التقني من أمثالي، وإن كان المختصون أفرادا، أو هيئات لا يصعب عليهم تتبع هذه المصادر، وتحديد مكانها، ومن يقف وراءها، وأنا أشير إلى مروجي البضائع السيئة المفسدة للأفكار، والقيم المدمرة للمجتمعات. المجال الأكاديمي من المجالات التي تستهدفها بعض المواقع، حيث تكون الدعوة لتقديم الخدمة، إما على شكل دعوة عامة لكل من يقدر له قراءة الرسالة، أو المراسلة على الخاص، كدعوة مباشرة للفرد يشعر بها المستهدف بالخصوصية التي يبحث عنها إذا كانت الخدمة مما يراد التستر عليه، ولا يمكن إفشاؤه للآخرين.
الدعوات لتقديم الخدمات الأكاديمية أصبحت رائجة، وكأن من يقفون وراءها تحولوا إلى تجار كتابة البحوث، وتأليف الكتب، والترجمة، بغض النظر عن طبيعة المجال، والتخصص، وما ذلك إلا دليل على احتراف الإساءة للعلم، وأهله، سواء كانوا أساتذة، أو طلبة طالما أن العمل يدر أموالا لأشخاص معدومي الضمير، والإحساس بفداحة العمل، والأضرار المترتبة عليه. أقرأ كثيرا من هذه الرسائل على العام، وتصلني على الخاص رسائل من هذا القبيل، وآخر ما وصلني هذه الرسالة:
تحية طيبة.. يقدم مركزنا خدمات: "تفريغ صوتيات، عمل أبحاث علمية، حل واجبات، تصميم جرافيك، تحاليل إحصائية، نشر في مجلة محكمة، رسائل ماجستير ودكتوراه، ترجمة وبرمجة، تنسيق الكتب وتجهيزها للطباعة، والتدقيق اللغوي"، وفي النهاية وضع رقم المراسلة عبر "واتساب"، وهو رقم دولي لدولة عربية ما يعني أن القائمين على هذا العمل يسعون لاصطياد ضحاياهم من مختلف الفئات، والشرائح التعليمية، والمتأمل في القائمة السابقة يجد فيها خدمات متنوعة تستهدف طلاب الجامعة من البكالوريوس، والدراسات العليا، وأساتذتها، وكذلك التعليم العام، فحل الواجبات يعني إنجاز الواجب من الألف إلى الياء، سواء لطلاب التعليم العام، أو التعليم الجامعي، والعالي، وماذا لو كان تصميم الجرافيك أحد الواجبات في مادة الحاسب الآلي، ويقدم على اعتبار أنه إنجاز طالب، أو مجموعة طلاب باعتباره مشروعا، وينال عليه الطلاب الدرجة، والاجتياز ليتخرج الطلاب أميين في هذا المجال، فماذا سيكون مستقبلهم الوظيفي، وكيف تستفيد منهم سوق العمل؟ خدمة الترجمة لمن لا يجيد اللغة الأجنبية لا إشكال فيها، حيث توجد مراكز مختصة، ومرخص لها بذلك، كما أن التحليل الإحصائي أيضا خدمة تقدمها المراكز المختصة، إذ ليس كل الباحثين لهم باع في مثل هذا العمل.
الطامة الكبرى عمل رسائل الماجستير، والدكتوراه ليحصل الشخص على شهادة بناء على عمل ليس من أدائه، أو جهده، وقد يكون الطالب مسجلا في جامعة مرموقة في بلده، أو خارجه، وينال شهادة باسمها، وقد يعمل بها، أو يعمل في جامعة أخرى ليكتشف العوار فيما بعد، وتبدأ الآثار السلبية في الظهور على المخرجات التي سيدرسهم هذا الشخص. من الخدمات السيئة لهذا المركز عمل أبحاث علمية، ونشرها في مجلات علمية يترقى بها بعض أعضاء هيئة التدريس العاجزين عن البحث، والنشر، وهم موجودون في الجامعات مع قلتهم من فضل الله.
وما من شك أن الجرأة، والإعلان بهذه الطريقة يدل دلالة واضحة أن الدولة التي تقدم فيها هذه الخدمات إما أنها لا توجد فيها أنظمة لمحاربة الفساد التعليمي، وإما أن الأنظمة موجودة على الورق لكن لا توجد جهات منوط بها دور المحاربة، والأدهى أن الأنظمة موجودة، والجهات المعنية، لكن طالما المستهدف أبناء دول أخرى فلا مانع من استمرار الخدمة السيئة لتدر المال. وإذا كانت الدول التي تمارس فيها هذه الممارسات فماذا عن الدول المستهدفة هل يمكن للجهات المعنية كشف اعتراض هذه الرسائل وحجبها، كما تحجب بعض التغريدات، والتواصل مع الأوطان التي توجد فيها هذه العصابات لمحاربتها حفاظا على المخرجات التعليمية، بدلا من تركها تعبث بالنسيج التعليمي.
إنشرها