Author

السلع والخدمات .. تفاوت وارتباك 

|

 
كما كان متوقعا، ومع منتصف الربع الأول من عام 2021، لا يزال مشهد الاقتصاد العالمي مرتبكا وغير مستدام وتشوهه مؤشرات الضبابية، والتنبؤات التي تصدر عن تقارير المؤسسات الدولية غير دقيقة. والسبب يعود إلى أمرين معا، الأول هو أن الأثر التراكمي في الاقتصاد العالمي لانتشار جائحة كوفيد - 19 لم يتم قياسه، ولم يتم حصره بعد، ذلك أن هذا الأثر امتد إلى عديد من سلاسل الإمداد، وتشوهت هياكل التجارة العالمية، وبينما عاد الاقتصاد إلى النمو في دول خلال الربع الثالث من العام الماضي، إلا أنه لم يبق على حالة من التباطؤ في دول أخرى، وكذلك الحال في أنواع الصادرات وبين أنواع التجارة المختلفة.

والسبب الآخر لهذا الارتباك هو، عودة الفيروس إلى الانتشار مع عدم وضوح الصورة بشأن توزيع اللقاحات. ومع ضعف القدرة على التنبؤ وضبابية دقة البيانات، فإن التقلبات الاقتصادية لم تزل متوقعة، وهذا يعني أن الحذر سيد الموقف، وأن المحافظة على القدرة على التدخل لدعم الاقتصاد والقطاع الخاص لم تزل مهمة جدا. ففي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، قدم من خلاله تفاصيل اتجاهات التجارة العالمية منذ اندلاع جائحة كوفيد - 19 حتى بداية العام الحالي، أكد أن عدم اليقين حول تطور الوباء وحجم حزم التحفيز، يضعف من دقة توقعات المنظمة لعام 2021.

لقد قيم تقرير "أونكتاد" مشهد التجارة العالمي بالفوضوي، ولو أنه لم يستخدم مثل هذه العبارة تماما، فقد كان تأثير أزمة كورونا واضحا في التجارة العالمية خلال 2020، حيث كان تأثيرها أشد وطأة خلال النصف الأول من 2020 مع انخفاض في القيمة بنحو 15 في المائة. لكن مع الانتعاش، عاد في الربعين الثالث والرابع من العام الماضي، ثم يعود التقرير ليشير إلى أن هذا الانتعاش يأتي فقط من تجارة السلع، في حين لا تزال التجارة في الخدمات متخلفة عن المتوسط بدرجة كبيرة، بل حتى ضمن تجارة السلع، فإن بعض أنواع السلع لم تجد القوة نفسها في النمو.

وشمل انتعاش التجارة في النصف الثاني من 2020 معظم قطاعات السلع، فمعدات قطاعي الطاقة والنقل لم تزل ضعيفة، والسبب يبدو واضحا بشأن توقف السفر والسياحة العالمية. لكن ذلك الانتعاش في تجارة السلع يأتي متفاوتا بدرجة كبيرة، ففي حين تخلفت دول كثيرة، فإن الانتعاش يصدر من دول شرق آسيا، حتى تلك القراءة الأكثر عمقا، التي تقارن الدول النامية بالمتقدمة، فإن المشهد مرتبك وغير واضح أيضا. فالتقرير يشير إلى أن الدول النامية أفضل حالا من الدول المتقدمة، ثم ما يلبث أن يتراجع عن ذلك ليؤكد أن النمو في الدول النامية مرتبط أساسا بالنمو في دول شرق آسيا.

وإذا كان التفاوت واضحا بين تجارة السلع وتجارة الخدمات، وكذلك بين الدول فإنه أكثر وضوحا بين الفترات، فإذا كان الاقتصاد العالمي كله، وبينما حقق بعض الانتعاش في نهاية العام الماضي، فإنه عاد مرة أخرى إلى التراجع مع بداية هذا العام، فتقرير "أونكتاد" يوضح أن توقعات المنظمة للربع الأول من 2021، تشير إلى تباطؤ في انتعاش التجارة في السلع بانخفاض 1.5 في المائة، مقارنة بالربع الرابع من 2020، وانخفاض آخر في تجارة الخدمات 7 في المائة، مقارنة بالربع الرابع من 2020.

من اللافت للنظر، أن هذا الارتباك في مشهد التجارة العالمية، الذي تصفه المنظمة العالمية بالتفاوت، قد تسبب في خلل هيكلي في حصص الأسواق، وبينما ما زالت دول شرق آسيا تقود الانتعاش بقوة، فإنها أيضا تحقق مكاسب في حصة السوق العالمية، في الوقت الذي أجبر انخفاض الطلب العالمي، الذي جلبه كوفيد - 19 لتلك الدول الأقل قدرة على المنافسة على الخروج من الأسواق العالمية، كما أن النمو القوي والانتعاش في السلع على حساب الخدمات، يأتي نوعا ما من الطلب الكبير على التقنية والسلع المرتبطة بها، بينما بقيت تجارة الخدمات، التي تعتمد على العنصر البشري، في وضع مترد، فالدول التي تستند في اقتصادها إلى هذا النوع من التجارة قد لا ترى النمو والانتعاش الاقتصادي قريبا، بل ستظل معتمدة بشكل كبير على حزم الدعم، سواء من الحكومة المحلية أو من أسواق الدين العالمية، وهنا يظهر تقرير المنظمة العالمية تخوفه بسبب ضبابية بقاء حزم الدعم.

إنشرها