Author

طلب الشهرة بأي ثمن

|

طلب الشهرة أمر لا اعتراض عليه، إذا كان يقوم على إنجازات تخدم الإنسانية والمجتمع والأسرة، أو تخدم الشخص نفسه دون أن تكون على حساب الآخرين أو النيل من كرامتهم أحياء أو أمواتا. لكن - مع الأسف الشديد - أن بريق الشهرة يعمي الأبصار لدى البعض عن احترام حقوق الآخرين، ويؤدي إلى الابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف، أو إبراز المفاتن بالنسبة للنساء، فينسى كثيرون أخلاقهم وقيمهم وانتماءهم الأسري في سبيل الشهرة. ويزداد جنون الشهرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتوافرها في متناول الجميع دون عناء أو تكلفة تذكر.
وتختلف الدوافع من شخص إلى آخر، لكن الكسب المالي ربما يأتي في المقدمة، ثم الوجاهة والاستمتاع بالشهرة وكسب المكانة الاجتماعية بين الناس، خاصة مع تداول بعض المعلومات عن دخول بعض المشاهير التي تصل إلى أرقام فلكية تفوق ما يتقاضاه العلماء والمخترعون والأطباء ونحوهم. ولا شك أن البروز السريع يتطلب إنجازات باهرة وإبداعات متميزة، وهذه صعبة المنال على كثير من الناس، الذين لا يمتلكون علما أو موهبة أو مهارات، ما يجعلهم يسلكون أسهل الطرق، وهي مخالفة العرف وعادات المجتمع وتقاليده، أخذا بمبدأ "خالف تعرف".
فمن الوقاحة اللجوء إلى كسب الشهرة من خلال استخدام الشائعات أو تزوير المقاطع غير الحقيقية، أو نشر صور كبار السن من الوالدين وغيرهم دون علمهم، ودون إبلاغهم بأن أحاديثهم ستصور وتسجل، أو التمادي في طلب الشهرة لدرجة تعريض الأطفال للخطر من خلال ركوب الحيوانات أو دفعهم إلى الممارسات غير الأخلاقية التي توحي بتحرش جنسي أو نحوه، وبعضهم يضحي بخصوصيات الأسرة ويلجأ إلى استخدام الزوجة والأبناء في سبيل كسب الشهرة وجذب المتابعين. وهناك من يقوم بتصوير بعض المرضى من الأقارب وغيرهم في أثناء زيارتهم، وهم في حالة ضعف وعجز، والأدهى من ذلك قيام بعض الأشخاص بتصوير أقاربهم الموتى وعدم احترام كرامتهم، وذلك بالطبع من أجل الشهرة، ومن أجل تلبية فضول المتابعين المتعطشين للجديد في حياة هذا المشهور، أو ذلك الذي يحافظ على شهرته من خلال التمادي في كشف الجديد عن أحوال أسرته وحياتهم اليومية!
وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقة أن الفضاء الإلكتروني الرحب أتاح الفرصة لبعض المواهب المغمورة في الظهور والشهرة والإسهام الإيجابي في المجالات كافة، فكم من المبدعين كان ظهورهم شبه عفوي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في مجال الشعر أو الغناء أو المسرح أو المهارات والخبرات في مجالات البناء والزراعة والصناعة، علاوة على إبراز بعض الأفكار الإبداعية، ولا أقصد هنا التباهي المفرط بأطباق الطعام الكبيرة أو الانشغال بطرق الطبخ والنفخ الجديدة.
وأخيرا، ينبغي حفظ حقوق الوالدين والأطفال من التشهير بهم، وتعريض صحتهم أو سمعتهم للخطر. ولا شك أن الجهات المختصة وضعت عديدا من الأنظمة التي تنظم الأمور وتحفظ الحقوق، لكن الأنظمة وحدها لا تكفي، إذ يتطلب الأمر مراعاة القيم الدينية والخصوصيات الأسرية وحقوق الوالدين والأقارب وغيرهم، ولا ينبغي تصوير أي شخص دون علمه ومعرفته قبل البدء بالتصوير وليس بعده، فالتصوير أو التسجيل دون الإذن المسبق يعد تجاوزا وتعديا على حقوق الآخرين.

إنشرها