Author

عجلة التصدير لا تدور 

|

 تعرضت مؤشرات الاقتصاد الألماني كغيره من اقتصادات بقية الدول، لأزمة تاريخية كبيرة، من جراء تفشي وباء كورونا المستجد، والأضرار التي يتعرض لها هذا الاقتصاد لم تتوقف بعد، لأن الوباء لا يزال يفرض قيودا على الحراك الاقتصادي العام على مستوى العالم. ورغم ظهور اللقاحات المختلفة ضد فيروس كوفيد - 19، إلا أن عمليات التطعيم لا تزال في بدايتها، حتى أن المفوضية الأوروبية اعترفت أخيرا بالتقصير في هذا المجال. كما أقرت بأنها ارتكبت أخطاء في مسألة توزيع اللقاحات على دول الاتحاد الأوروبي، أي أن الارتباك على صعيد اللقاح سيمد الزمن في ألمانيا وغيرها، للوصول إلى حل المشكلات الاقتصادية المختلفة. مع العلم أن الاقتصاد الألماني يبقى الأفضل بين اقتصادات الاتحاد وبالطبع بين اقتصادات دول اليورو.

كان طبيعيا أن تتراجع الصادرات الألمانية بأكثر من 9 في المائة في العام الماضي، في ظل انكماش اقتصادي بلغ في العام المشار إليه أكثر من 5 في المائة، وهذه النسبة أقل بكثير من معدل الانكماش البريطاني على سبيل المثال وكذلك الفرنسي. إلا أن الاقتصاد الألماني الذي يعتمد أساسا على الصادرات تلقى ضربات موجعة في هذا الميدان على الرغم من أنه يتصدر قمة تصنيف الاقتصاد الأوروبي فهو الأول في القارة العجوز والرابع عالميا.

والسبب معروف للجميع، إغلاق الاقتصادات العالمية حتى الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، وفرض قيود غير مسبوقة على الحراك التجاري، ما أدى إلى تعطل سلاسل الإمدادات في كل مكان تقريبا. ولذلك سجلت الصادرات الألمانية في العام الماضي تراجعا من 1.33 تريليون يورو إلى 1.21 تريليون يورو، علما بأن الحكومة الألمانية لم تكن سريعة في اتخاذ إجراءاتها في دعم الاقتصاد الوطني عبر سلسلة من حزم الإنقاذ المحلية، فضلا عن حزمة الإنقاذ الأوروبية الكبرى.

المثير في الأمر أن تراجع الصادرات الألمانية لا يزال أقل بكثير من تراجعها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، ما يؤكد مجددا أن الاقتصاد الألماني يستند بالفعل إلى المقومات التي تضمن له خروجا أسرع من حالة الركود، وتحقيق النمو المأمول في حد أقصاه مطلع العام المقبل. دول العالم تعاني أزمات اقتصادية مشابهة تقريبا، مع اختلافات بسيطة من نسب الانكماش في اقتصاداتها، لكن الانكماش الألماني يعد الأقل، ما يعزز الاعتقاد بأن ألمانيا يمكنها أن تعيد تحريك قطاعاتها الاقتصادية وفي مقدمتها قطاع الصادرات بوتيرة سريعة، فيما لو قورنت بالوضع القائم حاليا في فرنسا، فضلا عن بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي في أسوأ وقت ممكن.

اللافت أيضا، أنه في الوقت الذي تراجعت فيه الصادرات الألمانية، تراجعت أيضا واردات البلاد، والأمر يعود أيضا إلى توقف الاقتصاد العالمي تقريبا لفترة طويلة من عام 2020، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد في زمن الأزمات. فواردات ألمانيا انخفضت في الفترة المشار إليها 7.1 في المائة، استنادا إلى مكتب الإحصاء الوطني.

ولأن الاقتصاد الألماني وهو الأكبر على الساحة الأوروبية يتمتع بقدرات قوية، فإن الميزان التجاري له في العام الذي ضرب فيه الوباء العالم كان إيجابيا لو قورن بالعام الذي سبقه. وفي كل الأحوال تراجع الصادرات يمثل قلقا بالغا للحكومة الألمانية التي استطاعت محاصرة الأضرار في أدنى نطاق لها، مقارنة ببقية الدول الأوروبية الكبرى. والمتوقع أن تعود عجلة اقتصاد ألمانيا للدوران بصورة طبيعية، قبل نهاية العام الجاري، ويعود حراك التصدير إلى وضعيته التي سبقت الجائحة القاتلة. المهم الآن بدء مرحلة النمو التي ستعوض تدريجيا الخسائر التي مني بها هذا الاقتصاد وغيره من الاقتصادات الأخرى.

إنشرها