Author

تطورات ملحوظة في مجال التقنية المالية «فنتك»

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
أعلن البنك المركزي السعودي هذا الأسبوع إطلاق نظام المدفوعات الفورية، حيث يتم التحويل بين حسابات الأفراد والشركات بشكل فوري، بدلا من التقيد بساعات عمل محدودة خلال اليوم، مع توقف التحويلات أثناء إجازة نهاية الأسبوع، كما هو معمول به حاليا. هذه الخطوة المهمة ما هي إلا امتداد لجملة من المنجزات والابتكارات في مجال التقنية المالية، التي تعرف بالمختصر الإنجليزي "فنتك"، وأطلق شرارتها البنك المركزي قبل ثلاثة أعوام بمبادرة عرفت باسم فنتك السعودية.
لأعوام طويلة كانت المصارف في المملكة تقاوم دخول أي شركات جديدة في مجال الأعمال المصرفية والتقنيات المالية المتطورة، وكانت مؤسسة النقد في ذاك الوقت تدعم هذا التوجه من باب المحافظة على الاستقرار المالي في البلاد ولتخفيف أعباء المراقبة والإشراف التي تقوم بها المؤسسة. تلك المقاومة من قبل المصارف أدت إلى تعطل كثير من الأفكار والابتكارات المالية، إلا أن ذلك تغير بشكل سريع بعد مبادرة فنتك السعودية، ونتج عن ذلك أن المصارف نفسها الآن بدأت بالتنافس في تبني تقنيات جديدة وحلول مبتكرة. لتسليط الضوء على أهم التطورات على صعيد المشاريع الطموحة والأفكار الرائدة في مجال التقنية المالية، أقوم هنا بإلقاء الضوء على بعض الشركات الناشئة وما لديها من حلول.
بحسب مبادرة فنتك السعودية، يوجد حاليا نحو 60 شركة لديها إما مشاريع فعلية في التقنية المالية وإما لديها تصاريح للعمل في البيئة التقنية التجريبية التي يوفرها كل من البنك المركزي وهيئة السوق المالية. وتعمل هذه الشركات في عدة مجالات، أكثرها شعبية ونشاطا هي -على التوالي- الشركات العاملة في مجال المدفوعات ثم الإقراض والتمويل ثم حلول الأعمال.
تنوعت وتطورت أساليب الدفع الإلكتروني في المملكة، بعد أن كانت محصورة في إجراء حوالات إلكترونية عن طريق خدمات المصرف الإلكترونية، والسبب في ذلك يعود إلى سماح البنك المركزي باستخدام المحافظ الإلكترونية من قبل شركات مالية مختصة، حيث تتم تغذية المحفظة من خلال حساب الشخص المصرفي، ومن ثم بعد ذلك يستطيع الشخص التصرف بما لديه من مال دون الحاجة إلى المصرف. هذه الجزئية كانت صعبة المنال وقوبلت برفض شديد من قبل المصارف ومؤسسة النقد في وقت سابق، رغم أن العملية كانت، وما زالت، تحتاج إلى الحساب المصرفي لتغذية المحفظة.
يوجد عدد من التطبيقات في مجال المحافظ الإلكترونية والدفع الإلكتروني، بعضها يقدم من شركات مختصة تقدم بوابات دفع إلكتروني، وبعضها تعمل في مجالات مختلفة، مثل شركات اتصالات أو برامج تواصل اجتماعي، أو برامج محادثات وغيرها. أي إنه أصبح الآن بالإمكان قيام أي جهة لديها التصريحات اللازمة بإنشاء محفظة خاصة بعملائها حيث يتمكن العملاء من استخدام نقود المحفظة بسداد فواتير والتزامات مالية، أو حتى بالتحويل لبعضهم بعضا.
خدمة الـ "واتساب" ربما تكون من أفضل وأسهل الطرق للتعامل بالمحافظ الإلكترونية، بسبب انتشار الخدمة وكثرة عدد مستخدميها، وبالفعل بدأت "واتساب" بتقديم هذه الخدمة في بعض الدول، حيث يتعين على الشخص ربط حسابه المصرفي ببرنامج الـ "واتساب"، ومن ثم يتمكن بضغطة زر من توجيه المال إلى شخص آخر. هذه الخدمة متوافرة منذ عدة أعوام في بعض تطبيقات المحادثات الفورية المنافسة لـ "واتساب"، لكن "واتساب" ظلت تواجه بعض الصعوبات التنظيمية، التي تم التغلب عليها أخيرا.
من أبرز الابتكارات الناتجة عن مبادرة فنتك السعودية، هناك الحلول المتعلقة بالإقراض والتمويل، وهنا يمكننا الإشارة إلى عدة شركات، منها على سبيل المثال، تطبيقات تحمل الأسماء سلفة وفرص وليندو والنايفات وتمام وتمويل ومعالم التمويل، وغيرها.
على سبيل المثال، تطبيق تمويل، ومثله كذلك تطبيق معالم التمويل، يساعد الأفراد على الحصول على أفضل العروض التمويلية من المؤسسات المالية، حيث يقوم التطبيق بعرض تكلفة التمويل بشكل واضح ومن ثم يوجه العميل إلى أفضل مصرف أو جهة تمويلية، ويتولى متابعة الطلب بعد ذلك.
أما تطبيق سلفة، فهو عبارة عن طريقة سهلة وسريعة للحصول على قرض بسيط، بحدود ألف إلى خمسة آلاف ريال، وذلك خارج إطار المؤسسات المالية التقليدية وشروطها الصعبة نسبيا، ويسمح التطبيق للشخص بتجديد السلفة إذا كان منتظما في السداد. وتختلف هذه الفكرة عن بطاقات الائتمان التقليدية التي يمكن للشخص من خلالها الحصول على سلفة نقدية في أن تكلفة الاقتراض النقدي في هذه التطبيقات من المفترض أن تكون أقل بكثير من بطاقات الائتمان.
هناك كذلك تطبيقات مختصة بتمويل الشركات الصغيرة التي لديها احتياجات نقدية طارئة ولا تستطيع الحصول عليها بالطرق التقليدية من خلال المصارف. وجانب الابتكار في هذه التطبيقات أنها تقوم بجمع الموارد المالية التي تقرضها للشركات من خلال جمع الأموال من الأفراد الممولين. أي إن هذه التطبيقات تعمل كذلك كوسائل استثمارية للممولين من الأفراد والمؤسسات، ومن هذه الحلول هناك تطبيقات كل من فرصة وليندو ومنصة رقمية.
عنصر الابتكار في تطبيقات تمويل الشركات هي أنها تجعل الفرد يتصرف وكأنه مصرف أو مؤسسة مالية، فيقوم بإقراض مبالغ قليلة لعدد كبير من الشركات، وبالتالي يتجنب مخاطرة عدم سداد الشركة المقترضة من جهة، ومن جهة أخرى يستطيع الحصول على عوائد مختلفة حسب ملاءة الشركة المقترضة. كذلك هذه التطبيقات تعد وسيلة استثمارية جيدة لمن لديه مبلغ قليل للاستثمار، فلا يستطيع المتاجرة بالعقار، وربما لا يحبذ التعامل بالأسهم وبعض طرق الاستثمار الأخرى. على سبيل المثال، إذا كان لدى الشخص مبلغ 50 ألف ريال، فيمكنه إقراض عدد كبير من الشركات بنسب أرباح متفاوتة، ومن ثم يحقق عائدا شهريا منافسا لوسائل مالية كثيرة. ورغم ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لم ولن تتغير حقيقة ارتباط العائد بالمخاطرة، فلن يكون هناك مجال لتحقيق عائد عال جدا دون مخاطرة عالية جدا، هذه مسلمة مالية غير قابلة للتغيير.
ختاما، بعد أن تغلب البنك المركزي على الضغوط السابقة فيما يخص فتح البنية التحتية المالية للمنافسة والابتكار، بدأنا نلحظ عددا من التطورات المثيرة للإعجاب في شتى المجالات المالية، وبسرعة فائقة، وكذلك بدأنا نرى تأثير المنافسة في رفع مستويات الخدمة من قبل المصارف وتقليص التكاليف على العميل، وآخرها خبر هذا الأسبوع بجعل التحويلات بين الحسابات على مدار الساعة، وبتكلفة أقل.
إنشرها