Author

امتحان اقتصادي صعب أمام بايدن

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"أرى ألما هائلا في هذا البلد. عديد من الناس دون عمل ويقتربون من نقطة الانهيار"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن، مهمة صعبة على الصعيد الاقتصادي، ربما تماثل صعوبة مهمته في رأب الصدع الذي أصاب المجتمع الأمريكي، من إفرازات الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هذه الانتخابات أوجدت حالة من الانقسام في الولايات المتحدة لم يسبق لها مثيل في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية في هذا البلد. والإدارة الأمريكية الجديدة، وضعت رؤية اقتصادية مختلفة تماما لرؤية إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وعلى هذا الأساس فإن تحرك بايدن يشمل مواجهة الآثار الاقتصادية الرهيبة التي يتركها تفشي فيروس كوفيد - 19، إضافة إلى إصلاحات في البنية الاقتصادية ككل، على اعتبار أن الديمقراطيين يعتقدون أن الإدارة السابقة أحدثت خللا فظيعا في هذه البنية، ما يفسر عشرات القرارات التنفيذية التي أصدرها بايدن في الساعة الأولى من دخوله البيت الأبيض رئيسا.
التحديات الاقتصادية كبيرة أمام الرئيس الأمريكي، الذي تتصدر بلاده الدول الأكثر تعرضا للأضرار الصحية من جراء الجائحة العالمية، سواء على صعيد الإصابات أو الوفيات. ويرى الديمقراطيون أن السبب الرئيس وراء ذلك الفشل الذريع لإدارة ترمب في مواجهة الوباء، عبر الاستهانة به وبآثاره وانتشاره وضرباته. فضلا عن وقوف الإدارة السابقة ضد المطالبات التي جاءت من حكام الولايات بضرورة الإغلاق الكامل لاقتصاد البلاد، من أجل محاصرة الوباء قدر المستطاع. حتى إن ترمب واجه تمردا من أغلب هؤلاء الحكام الذين، قاموا بتنفيذ الإغلاقات في ولاياتهم طبقا للقوانين المحلية فيها. حتى حزم الإنقاذ الحكومية، عملت إدارة ترمب على تأخيرها قدر الإمكان، لكنها في النهاية رضخت لمتطلبات الواقع، فضلا عن وضع الانتخابات الرئاسية التي تليها في الحسبان الشعبي.
الاقتصاد الأمريكي، كغيره من الاقتصادات الأخرى حول العالم، يعاني انكماشا بفعل الوباء، وركودا اتفق المختصون على أنه الأعمق منذ أكثر من 100 عام. ولأن الأمر كذلك أتى الرئيس بايدن بحزمة إنقاذ معه إلى الحكم، تبلغ 1.9 تريليون دولار. وتمكن بالطبع من تمريرها في القنوات الدستورية، كون الحزب الديمقراطي الحاكم يسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، يضاف إلى ذلك وعد قطعه على نفسه بحزمة أخرى قريبة سيتم توجهها إلى قطاع الاستثمارات. وهذا القطاع يوفر فرص العمل التي تسعى الإدارة لإيجادها بأي ثمن، في ظل ارتفاع تاريخي لمعدلات البطالة في البلاد. فخلال العام الماضي تضاعف عدد العاطلين عن العمل في كل القطاعات. ووفق آخر الإحصاءات، يتلقى 20.65 مليون شخص إعانات بطالة منذ تسعة أشهر، وفي أحد الأسابيع انضم نحو مليون شخص إلى قوائم الإعانة.
وفي العام الماضي أيضا، ارتفع مقدار العجز في الميزان التجاري الأمريكي أكثر من 102 مليار دولار، ليصل إلى 678.7 مليار دولار، في ظل تراجع مخيف للصادرات بفعل الوباء. لكن النقطة المشرقة هنا، أن العجز التجاري مع الصين سجل تراجعا بقيمة 34.4 مليار دولار، ليصل إلى 311 مليار دولار، مع تحسن ضئيل في الصادرات. كل هذا وغيره من العوامل، أسهم في رفع عجز الموازنة العامة للعام المالي 2020 إلى مستوى غير مسبوق عند 3.132 تريليون دولار، وهذا الارتفاع يبلغ 218 في المائة مقارنة بعجز الموازنة لعام 2019. والسبب في ذلك يعود بالطبع إلى الإنفاق الضخم ضمن حزم الإنقاذ السابقة، وتلك التي طرحها بايدن للنمو. وهذا العجز سيواصل الارتفاع في الفترة المقبلة، إذا لم يتحرك الاقتصاد الأمريكي كما كان قبل الجائحة العالمية. واللافت أن هذا العجز هو أكثر من مثلي الرقم القياسي السابق الذي سجل عام 2009 عندما ضربت البلاد الأزمة الاقتصادية العالمية.
وكما تتصدر الولايات المتحدة العالم من حيث وفيات وإصابات كورونا، تتصدر أيضا على صعيد الدين الحكومي الذي بلغ 23 تريليون دولار تقريبا. وهذا الدين زاد 16 في المائة منذ تولي ترمب رئاسة البلاد، أي: إنه يشهد ارتفاعا متواصلا حتى قبل الجائحة العالمية، إلا أنه قفز بعنف في العام الماضي ليتجاوز، لأول مرة، حاجز الـ 22 تريليون دولار. الوضع صعب للغاية، ويجعل مهمة معالجة الأزمة أقل صعوبة بعض الشيء، ليس إلا سيطرة الديمقراطيين على المؤسسات التشريعية في البلاد. أي إن الرئيس الأمريكي سيكون بمعزل عن المنغصات الجمهورية على الأقل من الناحية الاقتصادية، رغم أنها موجودة على صعيد محاسبة الرئيس دونالد ترمب، على سلوكياته التي تلت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
بعد أعوام من النمو المتوسط تعيش الولايات المتحدة، مثل أغلب الدول، انكماشا اقتصاديا حدد من قبل المسؤولين في واشنطن بـ 3.5 في المائة، والمؤشرات تدل على أن التعافي الاقتصادي ربما يحدث قبل نهاية العام، وهذا ما تتمناه الإدارة الجديدة، التي تسعى إلى العودة للنمو، بصرف النظر عن مستوياته. المهم الآن الخروج من الركود، حتى لو أدى الأمر إلى ارتفاع الدين العام والعجز في الموازنة. هذا هو الامتحان الأصعب أمام بايدن قبل الانتخابات النصفية التي ستجري بعد عامين تقريبا.

إنشرها