Author

كيف سيتعامل بايدن مع المعضلة الأفغانية؟

|

تذكرنا الاتفاقية التي أبرمتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب مع جماعة طالبان الإرهابية في الدوحة في فبراير 2020 لحل المعضلة الأفغانية المستمرة على مدى الـ 25 عاما الماضية منذ استيلاء هذه الجماعة على السلطة في كابول وإقامتهم لما عرف بـ "إمارة أفغانستان الإسلامية بقيادة الملا محمد عمر آخوند زادة عام 1996، بالصفقة التي عقدتها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مع النظام الإيراني حول مشروع الأخير النووي عام 2015.
فكلتاهما أبرم دون الأخذ في الحسبان رؤى وملاحظات الأطراف ذات العلاقة، بل دون إشراكها في المحادثات. وهذه الأطراف، فيما يتعلق بالمعضلة الأفغانية، هي حكومة كابول الشرعية المعترف بها دوليا، بينما في صفقة النووي الإيراني كان الطرف الغائب هو دول الخليج العربية المستهدفة من قبل النظام الإيراني الإرهابي الفاجر.
في كلتا الحالتين اعترضنا من منطلق أن الإرهابيين يجب أن ينبذوا من المجتمع الدولي، لا أن يتم تشجيعهم وتلميعهم ومكافأتهم بدعوتهم إلى مؤتمرات وعقد صفقات معهم، لأن في ذلك إسباغا للشرعية عليهم وتجاهلا لما ارتكبوه من جرائم بحق شعوبهم وجيرانهم والأسرة الدولية، بل إن ذلك يعطيهم دفعة معنوية للمضي قدما في أعمالهم الإرهابية.
وقد شهدنا كيف أن الصفقة الأوبامية مع طهران لم تثمر عن أي تغيير جوهري أو حتى هامشي لجهة لجم السياسات الإيرانية الخارجية القائمة على التوسع، بل إن طهران استغلت بنود الصفقة لتعزيز نفوذها الإقليمي وإنفاق ما حصلت عليه من أموالها المجمدة للإنفاق على التخريب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط. وبالمثل فإن الاتفاق مع بعض رموز حركة طالبان لم يؤد إلى أي انفراجات على الساحة الأفغانية، بل استغلت الحركة الانفتاح الأمريكي عليها لشن مزيد من الأعمال الدموية في كابول وبقية الأقاليم الأفغانية سواء ضد القوات المحلية أو القوات الأجنبية العاملة في البلاد، ممنية النفس بالعودة إلى السلطة مجددا للتحكم في رقاب الأفغان وإخضاعهم لمفاهيمها البالية المتحجرة.
اليوم هناك إدارة جديدة في واشنطن تبدو حائرة في كيفية التعامل مع ما ورثته من إدارة ترمب فيما خص أفغانستان، التي حظيت باهتمام الولايات المتحدة منذ زمن الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي السابق. فهل تنفذ ما وقعته إدارة ترمب مع طالبان، وتسحب من أفغانستان قواتها البالغ تعدادها 2500 عنصر بحلول أيار (مايو) المقبل كما هو مقرر، وتترك هذا البلد سيئ الحظ لمصيره القاتم أم تسعى لتأجيل عملية الانسحاب، أم ستجعل هذه العملية أبطأ وأكثر مسؤولية؟.
وتبدو حيرة ساكن البيت الأبيض الجديد جو بايدن حول الملف الأفغاني مشابهة تقريبا لحيرته إزاء ملف إيران النووي. فهو لئن صرح أن بلاده لن تسمح لطهران بالتحول إلى دولة ذات مخالب نووية أو باليستية، إلا أنه يبدو أقرب إلى التزام سياسة محورها التمسك بالصفقة التي عقدها رئيسه السابق أوباما مع إجراء تعديلات عليها، وهو ما ترفضه طهران حتى الآن. والشيء نفسه يمكن أن يقال حول اتفاقية فبراير مع طالبان، بمعنى أن بايدن سيتمسك ببنود هذه الاتفاقية لكنه سيسعى إلى إدخال تعديلات عليها، حيث تبقي واشنطن بعضا من قواتها على الأراضي الأفغانية لمكافحة الإرهاب، إلى حين تشكيل حكومة أفغانية انتقالية تشارك فيها طالبان، علما أن مثل هذه الصيغة تحدث عنها بايدن بنفسه في مقال نشرته له مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في الربيع الماضي.
ومرة أخرى تبدو الولايات المتحدة كأنها تراهن على السراب. فلا الإيرانيون جادون للتخلي عن مكتسباتهم من صفقة 2015 النووية بفتح ملفهم النووي مجددا للتعديل والتقليص، بعد أن مضوا طويلا في برامجهم النووية والباليستية لدرجة أن شهورا فقط تفصلهم عن امتلاك القنبلة النووية بحسب أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ولا الطالبانيون مستعدون للتخلي عن أحلامهم في السيطرة مجددا على السلطة في كابول، أو الرضوخ لأي تعديل في الاتفاقية التي أبرموها مع إدارة ترمب، ولا سيما لجهة إبطاء رحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان، علما أن حركة طالبان تعد رحيل هذه القوات هو جوهر اتفاقية شباط (فبراير) 2020 ومكسبها الأكبر منها. والجدير بالذكر أن الاتفاقية تضمنت سحب القوات مقابل التزام طالبان بألا تتعاون مع الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة وداعش، وأن تمنع استخدامها لأفغانستان كمنطلق لشن الهجمات الإرهابية في المستقبل. وهذا في حد ذاته كان إحدى مهازل السياسة الأمريكية. فطالبان مهما أبدت استعدادها للتعاون ضد التنظيمين المذكورين، فإن ذلك سيبقى مجرد حبر على ورق، لأن ما يجمعهما من مصالح وعقائد متشابهة ومتقاطعة لا يعد ولا يحصى. لكن الطرف الأمريكي، بسبب حماسه لإرجاع قواته إلى الولايات المتحدة بسرعة لأغراض انتخابية داخلية، وثق في الطرف الطالباني والتزاماته التي لم تكن سوى مناورة ماكرة.
وهكذا رأينا منذ شباط (فبراير) 2020 تجنب القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان الدخول في أي معارك مباشرة مع ميليشيات حركة طالبان إلى حد كبير، كي لا تنهار اتفاقية السلام، الأمر الذي أسهم في فتح الطريق أمام هذه الميلشيات لشن هجمات أوسع وأقوى ضد قوات حكومة الرئيس الشرعي أشرف غني، خصوصا في ظل عدم وجود بنود واضحة في الاتفاقية تمنع طالبان من مهاجمة القوات الحكومية.

إنشرها