FINANCIAL TIMES

أمريكا والصين .. تدفق الاستثمارات يتجاهل التوترات الجيوسياسية

أمريكا والصين .. تدفق الاستثمارات يتجاهل التوترات الجيوسياسية

كوايشو تطبيق شبيه بتطبيق تيك توك.

تبدو كوايشو، وهي منصة فيديوهات قصيرة صينية، بعيدة كل البعد عن المسائل الجيوسياسية. فهي تعرض عناصر مثل جدة تغني أغنية لفرقة البيتلز مع كلبتها، وعمالا مهاجرين يرقصون في مواقع البناء، ومزارعين يصنعون فطائر.
لكن الطرح العام الأولي للشركة في هونج كونج هذا الأسبوع – الذي جمع 5.32 مليار دولار – يكشف عن حقيقة أساسية حول التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين: عندما يتعلق الأمر بجني الأموال، هناك أمور أكبر بكثير تجذب أكثر مما تنفر.
ظهر المستثمرون المؤسسيون الأمريكيون، بما في ذلك فيديليتي وبلاك روك، بشكل بارز بين المستثمرين في الاكتتاب العام الأولي لشركة كوايشو. اهتمامهم هو مجرد واحد من كثير من المؤشرات على أن دعوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب "لفصل كامل عن الصين" تقصر عن بلوغ الهدف.
قال نيكولاس بورست من شركة سيفيرر كابيتال بارتنرز الاستشارية في مجال الاستثمار: "بدلا من الانفصال المالي، لدى الولايات المتحدة والصين الآن واحدة من أكبر علاقات الاستثمار الثنائية وأسرعها نموا في العالم".
أضاف: "على الرغم من الجهود المتضافرة التي بذلتها إدارة ترمب لتقليل الاستثمار في الصين، فقد ارتفعت حيازات المستثمرين الأمريكيين من الأوراق المالية الصينية بشكل كبير خلال الأعوام القليلة الماضية".
تظهر بيانات من روديوم جروب، وهي شركة أبحاث، أن علاقات الاستثمار بين الولايات المتحدة والصين أعمق بكثير مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية. كان المستثمرون الأمريكيون يمتلكون 1.1 تريليون دولار من الأسهم الصادرة عن الشركات الصينية في نهاية 2020 – أي نحو خمس مرات أكثر من 211 مليار دولار ظهرت في البيانات الرسمية الأمريكية في أيلول (سبتمبر) 2020، وفقا لتقديرات مجموعة روديوم.
ينبع كثير من التباين بين تقديرات روديوم والبيانات الأمريكية الرسمية من حقيقة أن كثيرا من الشركات الصينية التي تصدر أسهما في البورصات الأمريكية توجد مقراتها في ملاذات ضريبية خارجية مثل جزر كايمان. هذه الممارسة منتشرة لدرجة أن جزر كايمان قفزت إلى القمة بين الوجهات الخارجية للمستثمرين الأمريكيين، متجاوزة المملكة المتحدة واليابان وكندا ودولا أخرى.
قال ثيلو هانيمان، وهو شريك في روديوم: "سياسات إدارة ترمب أوجدت مخاطر أكبر في التدفقات المالية بين الولايات المتحدة والصين، لكن من الواضح أنها لم تحد من شهية السوق لمزيد من التكامل المالي".
في 2020 كانت شهية المستثمرين الأمريكيين للأسهم الصينية قوية بشكل خاص. جمعت الشركات الصينية 19 مليار دولار في العروض الأولية والثانوية في البورصات الأمريكية العام الماضي، وهو إجمالي لم يتم التفوق عليه إلا في 2014 بفضل الاكتتاب العام الضخم لشركة علي بابا في نيويورك بقيمة 25 مليار دولار.
اتخذت إدارة ترمب عدة خطوات ربما سيظل لها تأثير كبير على تدفقات الاستثمار الأمريكي في الأسهم الصينية، بعدما وضعت عشرات الشركات الصينية على قوائم سوداء تحظر الاستثمارات أو تزيد من صعوبة تصدير التكنولوجيا إليها. إضافة إلى ذلك، أقر المشرعون الأمريكيون في نهاية 2020 قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة، الذي من شأنه أن يفرض شطب الشركات الصينية التي لا ترغب في تلبية متطلبات الامتثال الصارمة لتدقيق الحسابات.
في تشرين الثاني (نوفمبر)، أصدر ترمب أمرا تنفيذيا يمنع الأمريكيين من الاستثمار في الشركات الصينية المدرجة على قائمة البنتاجون السوداء للمجموعات التي يمكن أن تكون مرتبطة بالجيش الصيني. شمل ذلك مجموعات الاتصالات المملوكة للدولة المدرجة في الولايات المتحدة، تشاينا يونيكوم، وتشاينا تليكوم، وتشاينا موبايل.
لكن جو بايدن أرجأ تنفيذ هذا الحظر حتى 27 أيار (مايو) في الوقت الذي تبدأ فيه إدارته الجديدة في مراجعة الإجراءات التي اتخذها سلفه. ولا يزال من غير المؤكد إلى أي مدى سيكون بايدن متشددا تجاه الصين.
الرئيس الصيني، تشي جينبينج، أظهر علامات على التوتر. حذر في خطاب ألقاه هذا الشهر من أن أي اتجاه من قبل الدول "لبناء دوائر صغيرة، أو (...) تعمد فرض الفصل أو انقطاع الإمداد أو العقوبات (...) سيدفع العالم إلى الانقسام وحتى المواجهة".
قالت يو جي، وهي باحثة عليا في تشاثام هاوس، وهي مؤسسة فكرية: "بكين قلقة حقا بشأن الفصل، أو تصور الفصل الذي تؤيده كل من الصين والولايات المتحدة في سياساتهما".
أضافت أن توقيع الصين أخيرا على الاتفاقية الشاملة للاستثمار مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة للتجارة مع الدول الآسيوية بشكل رئيس هو علامة على رغبة بكين في ضمان استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
تم تأكيد أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر للصين من خلال أدائها العام الماضي، عندما اجتذبت تدفقات بلغت 163 مليار دولار، متجاوزة 134 مليار دولار اجتذبتها الولايات المتحدة التي ضربها الوباء لتصبح أكبر متلق للتدفقات الأجنبية في العالم لأول مرة.
تؤكد هذه الأرقام حقيقة أنه حتى مع أن خطاب بكين تجاه الغرب، خاصة الولايات المتحدة، يصبح أكثر انتقادا، فإن الأرقام تشير إلى الاتجاه المعاكس. يبدو أن الدافع الرأسمالي لمطاردة العائدات، في الوقت الحالي على الأقل، يتعارض مع الحذر المتزايد بين القوتين العظميين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES