Author

مغالطات الإدارة العليا

|
يشترك تنفيذيو الشركات ومن يوجههم من أعضاء مجلس المديرين بالوقوع في عدد من المغالطات التي تهوي بنتائج الأعمال للمسؤولين عنها أو باحتمالات أقل تهوي بهم كمسؤولين مؤتمنين على هذه الأعمال. ولو رجعنا خطوة للوراء نجد أن الفريقين التوجيهي والتنفيذي مؤتمنون على تنفيذ عدد من الارتباطات المتناسقة التي تعظم قيمة الاستثمار بما يحقق أهداف مستثمريه. والرهان هنا منعقد على خبراتهم ومهاراتهم، والثقة التي يتحملون بها مسؤولياتهم. من يقترب من هذه التوليفة يجد أن عديدا من مجالس الشركات تفشل رغم خبراتهم المتراكمة. الجهود تصبح بائدة بعد فترة زمنية بسيطة - ثلاثة إلى خمسة أعوام على الأكثر - والاهتمام بالحوكمة لا يجنبهم مخاطر المخالفات النظامية ولا يضمن لهم ضبط كفاءة وفاعلية القرارات داخل المنشأة، وبرامج تخفيض التكاليف لا تخفض التكاليف، واستكشاف منتجات أو مسارات جديدة دائما أقرب للكلام والخيال من الفعل والتنفيذ، والقطاع صعب وتحدياته كثيرة رغم أن الداخلين الجدد إلى القطاع نفسه يحققون الأرباح تلو الأرباح.
لو حاولنا النظر إلى هذه التحديات بوصفها مغالطات توجيهية وإدارية، أرى أنها تنحصر في ثلاث مغالطات كبرى تتفرع منها مغالطات أخرى متنوعة تأتي بأكثر من شكل. الأولى، ما يقوم على سوء تفسير عملية التزامن بين ما يمكن تحقيقه اليوم وما يمكن تحقيقه على المدى البعيد. من أكثر المصطلحات التي يمكن سماعها في عالم الأعمالquick wins and low hanging fruits وهي مصطلحات تشير بكل بساطة إلى أن هناك مكتسبات يمكن تحقيقها بشكل سريع وأخرى تتطلب وقتا أكبر، وفي أي مشروع أو تحد يمكن مجابهته بزاويتين، الأولى عمل كل ما يمكن عمله لتحقيق المكتسبات السريعة والزاوية الأخرى العمل الجدي المستدام الذي تجنى ثماره بعد حين. والحقيقة مديرو التغيير يرون في استخدام هذا الأسلوب عدة مكاسب أهمها استعادة ثقة الموظفين والعملاء وتحقيق نجاحات مؤقتة أو صغيرة يمكن رؤيتها والاعتماد عليها لتحسين الصورة وبالتالي البدء بتنفيذ الأهم بثقة أكبر. ومن جانب آخر ينظر بعض المديرين إلى هذا الأمر باعتبار أن مصلحته وواجبه كذلك يقوم على تحقيقه لمؤشرات الأداء المطلوبة منه، وهي في العادة أمر سنوي، وقد يحدث وفق استراتيجية ثلاثية أو خمسية الأعوام. هناك كذلك من التنفيذيين من يرتبط عمله بعقد محدد المدة، أربعة أعوام على سبيل المثال. في النهاية هي فترة محدودة تعمل فيها محفزات الأداء للمجلس والتنفيذيين بشكل يقول لهم: افعلوا ما بوسعكم لتحقيق أكبر نجاح خلال هذه الفترة فقط، ثم اتركوا الأمر للإدارة المقبلة. هناك على سبيل المثال من يعرف أن التعامل مع نظام الزكاة والضريبة بطريقة معينة قد يكبد المنشأة ملايين الريالات لكن هذا الأمر لن يظهر إلا بعد أربعة أو خمسة أعوام وهو لن يكون يعمل على الأرجح في هذه المنشأة في هذا الوقت، لذا يقوم بالأمر ولا يبالي، وبعضهم يطيح بفرص المنتجات للنمو والاستمرارية ويحرقها ويحرق كل إمكاناتها خلال عام أو عامين. وحسب النية والعلم، قد يتحول التعامل بهذه المغالطة إلى تجاوز أخلاقي ومهني يستحق المحاسبة والعقاب، لكن من يبالي؟
المغالطة الثانية ترتبط بالمسؤول الذي يجهل أنه جاهل وتأثير ذلك في سير اتخاذ القرارات. يعتقد بعض التنفيذيين أن خبرته لبضعة عقود في مجال عمله مع حنكته التي يثق بها تمنحه حق اتخاذ القرار، أو التردد أو الامتناع عن اتخاذه. المسألة هنا ليست مرتبطة فقط بدرجة المعرفة والدراية المطلوبة لاتخاذ قرار ما، وإنما درجة المعرفة والدراية المطلوبة لرفض قرار ما، أو تأخير قرار ما. عندما يقرر أو يقبل مجلس المديرين بأن أمرا ما من صلاحياته فهو يتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات حوله، وإذا تردد في اتخاذ قرار وأجل ذلك لاجتماع أو اجتماعين أو عام أو عامين كما يحدث كثيرا، فهو يتحمل بالكامل تبعات هذا التأخير. يكون التردد أو رفض القرار أحيانا مرتبطا بمسائل منطوية على المعرفة والدراية، منها ما يتطلب التعلم من جديد، فالحياة تتغير وربما بعض الأعوام الطويلة من الخبرة لا قيمة لها مقارنة بقراءة معيار جديد أو معايشة ممارسة جديدة، ومنها ما يتطلب معرفة قدرة الفريق التنفيذي وواقع العمل، وهذا يتطلب الاحترافية في قراءة الواقع دون التدخل في شؤون الإدارة. تتعاظم هذه المشكلة عندما ينخدع عضو مجلس المديرين أو التنفيذي بما يعرف، ويظن أنه يملك من معطيات اتخاذ القرار أو عدم اتخاذه ما يكفي. فهو يضخم حجم المعرفة التي يحوزها أو عمليا، يجهل مقدار الجهل الذي يجهله.
المغالطة الثالثة، الضياع بين الحلم والواقعية، وهذه تتعلق بثلاثة مبادئ مترابطة: الواقعية العملية، وتقديم الجوهر على المظهر، والقدرة على المحافظة على مسار حالم وطموح يولد الحوافز للمنشأة وموظفيها. اشتهر كثير من المسؤولين بحفلات التدشين والافتتاحات، بينما غابت عن إنجازاتهم حفلات الإنجاز وإغلاق المشاريع. أخذ هؤلاء حصتهم الكافية من النقد. هناك كذلك من يشتهر بتوثيق المستندات والتطبيق بلا فهم، ومعظم هؤلاء يجنون نتائج أعمالهم عاجلا أو أجلا، وبينما يتظاهر مثل هؤلاء بالانطلاقات، نجد أن كثيرا منهم لا يستطيع صنع رؤية مشتركة لفريق العمل تعمل كوقود للإنجاز والتحرك للأمام، ولا يتخيل أساسا أن تكون منظمته تستطيع التوجه نحو التفوق والتميز. قد يرى أن الظروف تجعل منشأته وموظفيه وفريقه الإداري يعملون ضمن حدود كثيرة لا قبل لهم بمعالجتها أو مواجهتها، وإنما جل ما يملك هو استغلال الثغرات والقيام بالقفزات و"التدشينات" هنا وهناك.
إنشرها