Author

مشكلات كبيرة وكثيرة أمام بايدن

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الأزمة الاقتصادية في بلادنا تتفاقم، وسنتخذ إجراءات حازمة وجريئة"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
لم تمض ساعة تقريبا على انتهاء مراسم تنصيب جو بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة، حتى أسرع إلى مكتبه في البيت الأبيض ليوقع مجموعة من القرارات التنفيذية، هي في الواقع بمنزلة مراسيم إلغاء لقرارات كانت إدارة دونالد ترمب السابقة اتخذتها في مجالات متعددة. فالفجوة بين استراتيجتي كلا الرجلين ليست واسعة فحسب، بل تتسم بالتضارب أيضا، وذلك نتيجة توجهاتهما المتناقضة في أغلب الميادين المحلية والخارجية. وهذا أمر كان معروفا طوال فترة الرئيس السابق. والإدارة الجديدة تعد قراراتها التنفيذية هذه كمشاريع إنقاذ للبلاد من سياسة غير ملائمة شهدتها الولايات المتحدة طوال أربعة أعوام، وتعد أن ما تسلمته من إدارة ترمب، ليس إلا إرثا ثقيلا عليها في كل المجالات، بما في ذلك علاقات البلاد الخارجية.
وبعيدا عن هذه التناقضات بين الإدارتين فالرئيس الجديد يواجه سلسلة من المشكلات، ليس من السهل الوصول إلى حلول لها في فترة زمنية قصيرة، بما في ذلك بالطبع فترة الـ 100 يوم الأولى التي تمثل بصورة أو أخرى الامتحان الأول لأي إدارة أو حكومة في العالم. فضلا عن رؤية بايدن فيما يختص بعلاقات بلاده الخارجية. فهذا الأخير يؤمن بقوة بسياسة التحالفات الدولية، بينما كان الرئيس السابق يفضل العلاقات الثنائية التي كان يرى أنها تحقق قفزات نوعية أسرع. كان طبيعيا أن يتصل الرئيس الجديد بجاستن ترودو رئيس وزراء كندا، كما اعتاد بقية الرؤساء الأمريكيون سابقا باستثناء ترمب، الذي دخل في خلافات كبيرة مع المملكة الكندية، أسفرت عن إلغاء اتفاقية التجارة معها، وقدمت واشنطن اتفاقا جديدا لم تستسيغه أوتاوا، لكنها وقعته في النهاية، وكذلك فعلت المكسيك.
الأولوية الآن لإدارة جو بايدن تكمن في معالجة المشكلات المتعاظمة على الساحة الأمريكية، وهي كثيرة، في مقدمتها بالطبع أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تعتقد الإدارة الديمقراطية، أن الرئيس السابق تعامل معها باستخفاف شديد، الأمر الذي فاقم الأوضاع الصحية في البر الأمريكي، خصوصا أن الولايات المتحدة تتصدر بالفعل قائمة الدول الأكثر تضررا من الجائحة على صعيد الوفيات والإصابات. حتى إن جهات أمريكية مختلفة أشارت في أكثر من مناسبة إلى أن الوباء القاتل هذا لم يعد تحت السيطرة، وأولئك الذين يهاجمون إدارة ترمب تلقائيا، عدوه أنه لم يكن تحت السيطرة أصلا منذ تفشيه. ورغم أن موجة اللقاحات بدأت في الولايات المتحدة، غير أنها تواجه مصاعب جمة من فرط نقص الطواقم الطبية المؤهلة في البلاد.
هذه المصيبة العالمية فتكت بالاقتصاد الأمريكي، كغيره من الاقتصادات الوطنية الأخرى حول العالم. لكن الوضع على الساحة الأمريكية أكثر حرجا وضررا. ولأنه كذلك، أسرع بادين حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، بإعلان حزمة إنقاذ جديدة هائلة تبلغ 1.9 تريليون دولار، لمواجهة تداعيات كورونا على الاقتصاد الوطني، بل وعد بحزمة أخرى مخصصة للاستثمارات في وقت قريب. وهو يعلم أنه يستطيع تمرير هاتين الحزمتين على مجلسي النواب والشيوخ. فالقرارات الرئاسية الأمريكية الخاصة بالجانب الاقتصادي لا تتطلب عادة سوى أصوات أغلبية ضئيلة في هذين المجلسين، ما يجعل مهمة الإدارة الجديدة أكثر سهولة في تمرير الحزمتين وغيرهما في المستقبل، ولا سيما أن الديمقراطيين يسيطرون بالفعل على هاتين المؤسستين. فالوضع الاقتصادي متأزم حقا، عبر ارتفاع تاريخي للبطالة والدين الحكومي، مع توقف بعض القطاعات عن العمل، حتى خروج مؤسسات من أحجام مختلفة من السوق.
وفي ظل أزمة الوباء والاقتصاد، تتصدر مشكلة تعدها إدارة بايدن أهم المشكلات قاطبة، وهي تلك التي تتعلق بالانقسام الشعبي في البلاد. وهذه المهمة ليست سهلة، كما أنها ليست وليدة الأمس. فالعنصرية وصلت إلى أعلى مستوى في حدتها، ولا يمكن علاجها لا في الـ 100 يوم الأولى، ولا حتى ربما في الـ 100 يوم الأخيرة من ولاية الرئيس الجديد. إنها أزمة متجذرة زادت عمقا في الأربعة أعوام الماضية. كما أنها لا تحل بالكلام المنمق على شاكلة: الرئيس هو رئيس كل الأمريكيين. فمهمة بايدن صعبة جدا في هذا الميدان الحساس، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان، حصول ترمب على أكثر من 70 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والرئيس السابق خرج من الحكم وهو متيقن أنه أحق بالفوز، بصرف النظر عن صواب يقينه من عدمه.
في زحمة المشكلات الداخلية الكبيرة هذه، وضع بايدن مسألة التغير المناخي على رأس أولوياته في الـ 100 يوم الأولى من رئاسته. وهذه مسألة كانت محل خلاف كبير بينه وبين ترمب. فهذا الأخير يعتقد أنه لا توجد مخاطر على المناخ أصلا، وسحب بلاده من اتفاق باريس للمناخ الذي وقعت عليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. وواجه ترمب غضبا عالميا من جراء موقفه هذا. فالولايات المتحدة ستعود مجددا إلى هذا الاتفاق البيئي التاريخي العالمي، مستندة إلى فهم الديمقراطيين للمخاطر التي تحيق بالمناخ من جهات مختلفة. الأزمات التي يواجهها بايدن كثيرة، وليس أمامه سوى وضع أولويات لها، ومواجهتها بسرعة قبل الانتخابات النصفية بعد عامين.
إنشرها