Author

هل استشرفنا مستقبل الطاقة بمنظورنا؟

|
مختص في شؤون الطاقة
استشراف المستقبل أحد أهم أدوات التقدم والتطور في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها. الخطط الاستراتيجية على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي لن تكتمل أركانها، ولن تحقق أهدافها المرجوة إلا بوجود مراكز معتبرة تقوم بصناعة دراسات مستقبلية استشرافية مبنية على بيانات ذات جدوى، يقوم بمعالجتها مختصون، فينتج عن ذلك معلومات ذات قيمة تغذى بها هذه الدراسات، فتنعكس إيجابا على مخرجاتها ودقتها. استشراف المستقبل في رأيي يمكن وصفه بالصناعة المعقدة والحساسة، فهو أشبه ما يكون بخط إنتاج حقيقي، يتطلب مدخلات تخضع لمواصفات ومقاييس دقيقة، وبالتالي تتطلب فريقا فنيا مختصا متمكنا في تشغيله وصيانته وتقويم انحرافه، يعي تماما مواصفات وجودة المنتج النهائي المستهدف. تتطلب هذه الصناعة أيضا فريقا مختصا في عملية التطوير المستمر بناء على التغيرات التي تطرأ والتغير في المدخلات. مخرجات الدراسات الاستشرافية ليست مسلمات ذات طبيعة جامدة، بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة دوريا، لتقييمها وتقويمها. قطاع الطاقة بأقسامه المختلفة يجري عليه ما يجري على غيره، فاستشراف مستقبله في اعتقادي مهم جدا، بل ضرورة ملحة لجميع المنتجين والمستهلكين على حد سواء. ذكرت سابقا أن أهمية الدراسات الاستشرافية ليست حكرا على الاقتصاد الكلي، ورسم سياسات الدول المالية والتنموية، بل تنسحب أهميتها كذلك على الاقتصاد الجزئي. وجود دراسات مستقبلية رصينة يساعد صناع القرار والمستثمرين بفاعلية على توجيه استثماراتهم إلى القطاعات الواعدة، ويجعل رأس المال أقل جبنا، ما سينعكس إيجابا على تدفق السيولة الاستثمارية الداخلية أو الخارجية التي ستعزز الاقتصاد الكلي بلا شك. هكذا دراسات ستدعم قرارات الشركات القائمة في اتخاذ قرارات دقيقة في عمليات التوسع والاندماج والاستحواذ، وستلقي بظلالها أيضا على توطين الصناعات وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال للمساهمة في رفع المحتوى المحلي، بل زيادة الصادرات الوطنية. المتابع للمحتوى العربي في قطاع الطاقة، يرى جليا أنه يستند بصورة شبه كاملة إلى الدراسات التي أعدتها بيوت الخبرة العالمية، خصوصا الدراسات الاستشرافية، نعم هي بيوت خبرة ومراكز دراسات عالمية رصينة وذات سمعة مميزة، لكن لا يمكن القول: إنها جميعا حيادية، وفي منأى عن التسييس وخدمة أجندات خاصة. نادرا ما نرى في وسائل الإعلام العربي المرئي والمسموع بل حتى وسائل التواصل الاجتماعي، نادرا ما نرى خبرا يستند إلى معلومات صادرة من مركز عربي أو دراسة استشرافية أعدت بمنظور عربي. جائحة كورونا كوفيد - 19، ولفوز بايدن بالرئاسة الأمريكية بلا شك عوامل مؤثرة جدا في قطاع الطاقة، سيكون لها انعكاسات متفاوتة على صناعة النفط العالمية، والطاقة المتجددة، والتغير المناخي الذي وقع بايدن مرسوما بالعودة إلى اتفاقية باريس. هذه الدراسات كما ذكرت مهمة أيضا للشركات المختصة في قطاع الطاقة، وستنعكس إيجابا على خططها الاستراتيجية وتقييم المخاطر لاتخاذ قرارات إدارية صحيحة. البيئة لدينا داعمة جدا لهكذا مراكز، وهناك دعم لا محدود لكل ما يسهم في تنمية الوطن، فهل آن الأوان أن نستشرف المستقبل من منظورنا، ويتم تفعيل دور الدراسات الاستشرافية شبه المعطلة لخدمة التنمية في جميع القطاعات؟.
إنشرها