Author

ركود وانكماش عميق 

|

 
تواجه أوروبا أصعب وضع اقتصادي مقارنة بغيرها من المناطق حول العالم، وتعاني هذه القارة تفشيا كبيرا لوباء كورونا المستجد، بينما لم تتمكن الحكومات فيها من السيطرة عليه، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها.

والأزمات الناتجة عن الوباء متفاوتة بين دولة وأخرى، إلا أنها في النهاية مشكلات تتطلب معالجتها بصورة فورية، ولا سيما أن هذا التفاوت ليس واسعا. وبعد ثلاثة أسابيع تقريبا من الخروج النهائي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يواجه هذا البلد أسوأ أوضاعه مع الوباء، إلى درجة أن البلاد أغلقت أقاليمها على بعضها بعضا، وتسعى حكومة بوريس جونسون إلى إغلاق حدودها بالكامل أمام غير البريطانيين لمحاصرة الفيروس، إلى درجة أنها أعلنت إغلاق العطلات السياحية الصيفية.

وهذا البلد يعاني تفشي سلالة جديدة من كورونا، قال عنها رئيس الوزراء بوريس جونسون، إنها قد تكون أخطر من الفيروس الأصلي وتسبب في زيادة عدد الإصابات والوفيات والانتشار بصورة شرسة. وفي كل الأحوال الوضع على ساحة الاتحاد الأوروبي ليس أفضل كثيرا، مع ضرورة الإشارة إلى أن الحكومات في الاتحاد كانت أنجح في مواجهة الوباء مقارنة بالحكومة البريطانية. وتحذر جهات مختلفة في الاتحاد الأوروبي من مغبة إغلاق الحدود بين دول هذه المنظمة، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى تعميق الركود الاقتصادي، حيث توقع البعض أن يكون أقوى مما كان عليه في العام الماضي، فلا بد أن تتواصل مسارات الإمدادات المختلفة بين دول الاتحاد، وضمان سلاسل القيمة المضافة.

وإذا ما حصل الإغلاق بالفعل، سيكون هناك نقص كبير في الإمدادات الغذائية على الساحة الأوروبية، فضلا عن أن ذلك سيهدد إمدادات الأدوية، وهذا أمر خطير للغاية. والخوف الأكبر، يكمن في قيام الدول منفردة بإغلاق حدودها، بدلا من أن يكون هناك اتفاق ينسق هذا الإغلاق بين الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي. الاستراتيجية الموحدة مطلوبة، في وقت لا يزال الوباء ينتشر بصورة مختلفة في هذه الدولة أو تلك، على الرغم من المسار المتصاعد لعمليات التلقيح على الساحة الأوروبية. ولا شك أن فصل الشتاء يرفع مستوى القلق أكثر على الساحة، ويضغط بقوة على الأوروبيين، ولذلك ليس هناك مفر من التنسيق الكامل بين دول الاتحاد، لتقليل الأضرار الاقتصادية قدر الإمكان.

فالانكماش الراهن عميق، والأداة الأهم التي تحرك الاقتصادات في المنظومة الأوروبية، لا تزال متمثلة في عمليات الإنقاذ الحكومية، وأي خطوات فردية ستضغط على الحكومات لرفع مستوى حزم الإنقاذ، وهو أمر لا ترغب فيه أي حكومة في العالم وليس في الاتحاد الأوروبي فقط. مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن أوروبا تتصدر قائمة الدول التي تحتاج إلى أطول وقت من أجل التعافي، في حين أن الأمر ليس كذلك في مناطق آسيا وشمال أمريكا وغيرهما. لكن في النهاية، يبدو واضحا أنه من الصعب على دول الاتحاد الأوروبي تجنب الركود هذا العام، في حين أنها كانت تمني النفس بالتخلص من الركود الذي ساد العام الماضي قبل نهاية العام الجاري.

ومهما يكن من أمر، فإن القيود الواجبة لمحاصرة كورونا لا مفر منها، ولكن أضرارها تبقى أقل لو تمت عن طريق استراتيجية مشتركة بين دول المجموعة، وهذا ما تطالب به كل القطاعات التي تشكل الكيان الاقتصادي الأوروبي. لا يمكن أن نتوقع نموا في العام الجاري ضمن منطقة اليورو، ولا حتى ضمن منطقة الاتحاد الأوروبي، التحرك الآن يستهدف الحد من معدلات الركود على الساحة الأوروبية، والسير نحو تحقيق تعاف في غضون عامين على الأقل.

إنشرها