Author

تأرجح اقتصادي .. تفاؤل وتحفظ 

|

 
بدأت اللقاحات تنتشر في العالم بسرعة انتشار الفيروس نفسها مطلع العام الماضي، وتراجع القلق من هذه اللقاحات بشكل واسع، وتمت الموافقة عليها من جهات صحية معروفة دوليا، وتحول نحو أسئلة عن عدالة توزيع اللقاح ووصوله إلى الدول الفقيرة.

كما نعلم أن انتشار الفيروس تسبب في أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، حيث وصل النمو الاقتصادي العالمي إلى سالب 4.4 في المائة، وهي نسبة كبيرة تسببت في فقدان الملايين للوظائف، وحدوث أزمات كبيرة في سلاسل الإمداد، وتم إقفال كثير من المحال التجارية، وأعلنت أغلبية الشركات إفلاسها، وشملت القطاعات الحيوية كافة، وقد نشر عدد من التقارير الاقتصادية التي قدمت تشريحا واسع النطاق لهذه القضايا مع تطور أحداث الأزمة الاقتصادية التي عمت العالم خلال عام 2020.

ففي قطاع السياحة فقط، تشير التوقعات إلى أنه تم القضاء على 120 مليون وظيفة بسبب الوباء، وفي قطاع السيارات تسببت الجائحة في إغلاق عديد من المصانع نتيجة توقف سلاسل الإمداد في الصين والبرازيل ودول أخرى في العالم، وشهدت القارة الأوروبية تعطلا وانكماشا في النمو الاقتصادي والتحرك التجاري. وعلى الرغم من النمو الطفيف الذي تحقق مع صيف عام 2020، إلا أن الموجة الثانية من جائحة فيروس كورونا ألحقت ضررا كبيرا بذلك النمو، وفي هذا الوضع الضبابي حول حالة الاقتصاد العالمي عام 2021، فإن العالم يعيش بين تفاؤل نتائج اللقاح والعودة السريعة للنمو، والقلق من الآثار طويلة المدى التي من الصعب زوال تأثيرها قريبا.

وكان حديث كريستالينا جورجيفا، مدير صندوق النقد الدولي، الذي نشرته "الاقتصادية"، يلخص هذا التأرجح بين الخوف والرجاء، فهي متفائلة بالوضع الاقتصادي، وأن الانتعاش آت، لكن قلقها من حيث إنه غير متكافئ. وبينما تتوقع نموا 5.2 في المائة في 2021، إلا أن ذلك مرتبط بأمرين هما، استمرار الدعم المقدم من السياسة الاقتصادية في المرحلة الحالية، كما يجب توفير اللقاحات بسرعة في كل مكان، للجميع، وإذا تمت هاتان القضيتان معا، فإن الصندوق يتوقع تعزيز الناتج العالمي بتسعة تريليونات دولار حتى عام 2025. لكن مدير عام الصندوق الدولي، عادت للتحفظ مع اشتراط العمل الحاسم والموحد من قبل جميع الأطراف.

ويحتاج العالم الآن إلى سرعة في توزيع اللقاحات، لكن المشهد العالمي غير مبشر، فهناك رصد للتأخير، ويبدو أن قدرة الجهات على تنفيذ خطط واسعة لتوزيع اللقاح لم تكن عملية فعلا بقدر ما كانت متفائلة، ويظهر هذا القلق في عبارات مدير عام الصندوق الدولي بأن اللقاحات لا تحقن نفسها، فهي تتطلب أنظمة صحية، وإذا كنا نعلم أن هذه النظم ضعيفة للغاية في الدول النامية، فإنه لا يسع العالم إلا دعم الدول منخفضة الدخل، وأن يتم بناء نظام صحي عالمي، فهذه الحالة الصحية لن تكون الوحيدة الطارئة، ولعل هذه العبارة الأخيرة كفيلة بتعليق الجرس.

لكن هذا القلق من المستقبل الصحي يصاحبه تفاؤل بشأن وفرة الدعم، فالصندوق لديه تريليون دولار، استثمر منها 102 مليار دولار حتى الآن خلال الوباء، ويعود القلق إذا لم يكن هناك تعاون دولي واسع، فقد أثبتت الأزمة الاقتصادية المصاحبة للأزمة الصحية أن كثيرا من الدول هي أفقر مما كان متوقعا، بل تشير توقعات الصندوق الدولي إلى أن هناك رصدا لخسارة إجمالية 28 تريليون دولار في الناتج بحلول 2025.

وقد كان يمكن تفادي هذه الخسارة لولا هذه الأزمة، ولتجنب الآثار المستقبلية لهذه التعديلات في النمو العالمي، فإن المؤسسة الدولية تعلق آمالها على التعاون الدولي الذي يرتكز على استمرار التحفيز واستحداث الوظائف، من خلال الاستثمار في المناخ واستحداث وظائف فيه، فهناك فرص واضحة في الاستثمار في بناء المنشآت ذات العلاقة بحماية البيئة، والاستثمار في النقل والربط الكهربائي، واستعادة الغابات.

ومن الأزمات المتوقعة التي تدعو إلى القلق، ذلك الارتباك الواسع في بنية أسعار الفائدة وتأثيراتها، فأسعار الفائدة المنخفضة لفترة أطول، تشجع على تحمل ديون أكثر من الحاجة فعليا، وهذا خطر من وجهة نظر المؤسسة الدولية والعالم، بحاجة إلى سياسات حصيفة قوية في الاقتصاد الكلي، وفي الوقت نفسه نحن بحاجة إلى التحفيز الاقتصادي. وفي المقابل، فإن أسعار الفائدة المنخفضة تجعل البنوك أقل ربحية وأقل رغبة في الإقراض، والحل هو التصرف بشكل حاسم بشأن إعادة هيكلة الديون، والتصرف بحزم في توقع حدوث حالات إفلاس، والتقليل من حالات الإفلاس، لكن التفاؤل يأتي من جود احتياطيات قوية، وكما تشير مدير عام الصندوق الدولي إلى أن هناك 11 - 12 تريليون دولار من الاحتياطيات، كما أن لمجلس الاستقرار المالي دورا مهما للغاية، فقد استطاع الصندوق دعم 82 دولة خلال الأزمة ولا تزال لديه مرونة، فالتعاون الدولي هو مفتاح الحل في استدامة الحل والنمو.

إنشرها