Author

الأهمية القصوى لاكتمال حلول الإسكان

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لم يمثل أبدا نقص التمويل اللازم لتملك السكن كل الأسباب، التي وقفت خلف نشوء مشكلة صعوبة التملك بالنسبة لأفراد المجتمع، في الوقت ذاته الذي تمثلت خلاله أكبر وأهم الأسباب وراء صعوبة التملك في التضخم المطرد لأسعار الأراضي والعقارات، التي استمدت وقودها الأكبر من اتساع أشكال الاحتكار والاكتناز لمساحات شاسعة من الأراضي في يد شريحة ضيقة من الملاك، وتبعها احتدام تعاملات المضاربة وتدوير الأموال والثروات على ما أتيح منها للشراء والبيع، وهو ما أثبتته بيانات السوق العقارية المحلية خلال الفترة 2010 - 2020، التي أظهرت أن من إجمالي قيمة الصفقات العقارية لتلك الفترة البالغ 2.55 تريليون ريال، استأثرت الصفقات المنفذة على الأراضي فقط ما تجاوزت قيمته سقف 2.33 تريليون ريال، أي بما نسبته 91.2 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية خلال تلك الفترة، ومقابل هذا الاستحواذ العالي جدا للأراضي على صفقات السوق العقارية الذي فاق تسعة أعشارها، لم يتجاوز إجمالي قيمة الصفقات على المنتجات العقارية - وبيوت، وعمائر، وفلل، وشقق - خلال الفترة نفسها حدود 124.3 مليار ريال، أي بما لم تتجاوز نسبته 4.9 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية.
لماذا يجب الاهتمام العالي بالبحث في أسباب تضخم الأسعار بالنسبة للأراضي والعقارات؟ والضرورة القصوى لوضع اليد بصورة دقيقة على الأسباب الحقيقية والفعلية لصعوبة تملك السكن بالنسبة للأفراد؟ وماذا يحمل معه من مخاطر حال حدوث أخطاء من أي مستوى على هذا الطريق من البحث والتقصي في هذا الشأن التنموي الحيوي؟ الإجابة باختصار شديد جدا على جميع تلك الأسئلة وغيرها في ذات الخصوص، يعني عدم الوقوف على إجاباتها الصحيحة اتساعا أكبر للمشكلة، وحدوث مزيد من التحديات على طريق تجاوز مشكلة تملك السكن، وقد تصل الآثار العكسية إلى تحول خطأ تشخيص الأسباب الحقيقية للمشكلة، ومن ثم اتخاذ حلول جزئية لا تعالج الأسباب الكاملة للمشكلة، أؤكد أنها ستتحول إلى مغذ لاتساع مشكلة تملك السكن، ولعبها دورا رئيسا في استمرار ارتفاع الأسعار وتضخمها، والدخول من ثم في حلقة مفرغة من المطاردة التي لا نهاية لها بين ارتفاع الأسعار السوقية وتضخمها من جانب، ومن جانب آخر ارتفاع التمويل العقاري اللازم لملاحقة ذلك الارتفاع للأسعار، سيكون الكاسب الوحيد من هذه المطاردة بين الأسعار والتمويل ملاك الأراضي، بينما ستتسع دائرة المتضررين من تشكل هذه الحلقة المفرغة: الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص وأفراد وأسر المجتمع، عدا ما ستتعرض له العملة المحلية من ضغوط على قيمتها الحقيقية، نتيجة لتصاعد وتيرة التضخم بصورة مطردة، سيكون له آثار عكسية واسعة النطاق في الاستقرار الاقتصادي والمالي في الأجلين المتوسط والطويل.
إن وضع معالجة نقص التمويل اللازم لأجل تملك السكن في موقعه أو مرتبته الحقيقية، وهو السبب الذي لم يكن له أن يتقدم بأي حال من الأحوال على السبب الرئيس والأكبر لغلاء وتضخم أسعار الأراضي والعقارات، المتمثل في تفاقم أشكال الاحتكار والاكتناز والمضاربة وتدوير الأموال والثروات على عنصر الأراضي خصوصا، كما أثبتته بيانات نشاط السوق العقارية خلال الأعوام الطويلة الماضية، الذي جاء إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء لأجل القضاء عليه ومحاربته، كل هذا يعني العمل الأكثر فاعلية الذي يأخذ بالآلية الصائبة لمواجهة أسباب وجود مشكلة صعوبة تملك السكن، بل يتجاوزها إلى معالجة أسباب ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج على كاهل الاقتصاد الوطني بأكمله، والقطاع الخاص خصوصا، والمساهمة في تجنيب الاقتصاد والمجتمع مخاطر ارتفاع معدل التضخم، وتآكل القيمة الحقيقية للعملة، وارتفاع حجم الديون والقروض، وما يتبعها من ارتفاع نسب الاستقطاع الشهري لسداد مستحقاتها لفترات زمنية طويلة جدا، سيكون لها آثار عكسية في كل من الإنفاق الاستهلاكي والادخار، وما يحمله ذلك من تحديات جسيمة على كاهل النمو المستدام للاقتصاد الوطني، ولما له من آثار عكسية في نمو القطاع الخاص خصوصا، ستتأثر قدرته على المساهمة في النمو وتوظيف الموارد البشرية الوطنية، ويقلص كثيرا من مساهمته وقدرته في خفض معدل البطالة، إضافة إلى امتداد تأثير كل ذلك في تباطؤ نمو العوائد غير النفطية على الميزانية العامة للدولة، أو حتى عدم نموها كما هو مستهدف في الأجلين المتوسط والطويل.
إننا والحال تلك نجد جميعا أنه سيكون من الأهمية القصوى العمل على اكتمال حلول الإسكان مجتمعة، وترتيب أولوياتها حسبما يؤكده التشخيص الدقيق للأسباب الحقيقية التي أفضت إلى نشوء هذه المشكلة التنموية، والعمل بصورة أكثر كفاءة وأسرع تنفيذا على ملف الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات، استهدافا للقضاء على مختلف أشكال الاحتكار والاكتناز والمضاربة على الأراضي، التي تسببت مجتمعة كأكبر وأول الأسباب في صعوبة تملك السكن، وتضخم الأسعار السوقية بصورة غير مبررة، أؤكد أن كل هذا سيمثل إنجازا تنمويا مستحقا، يستوجب من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بتنفيذه وترجمته على أرض الواقع، أن تأخذه على محمل الجد بصورة أكثر فاعلية، ولن تقف نتائجه الإيجابية عند معالجة صعوبة تملك السكن فحسب، بل ستمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بمسافات شاسعة جدا، ستصب عوائدها الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكبيرة جدا في مصلحة الجميع دون استثناء، وستدفع بمعدلات النمو الاقتصادي والازدهار التنموي إلى مستويات غير مسبوقة، عدا أنها ستعالج أغلب تشوهات السوق العقارية كما أصبح واضحا للجميع، فإنها أيضا ستفتح آفاقا واسعة للاقتصاد الوطني عموما، وللقطاع الخاص وبيئة الأعمال المحلية خصوصا، وزيادة جاذبيته أمام المدخرات الوطنية والاستثمارات الأجنبية على حد سواء، وهي النتائج التي تحمل معها كثيرا من الركائز الأساسية والإيجابية على مسار زيادة تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وزيادة القدرة على توظيف مئات الآلاف من الموارد البشرية الوطنية الباحثة عن فرص عمل كريمة، وتحسين مستويات المعيشة لأفراد المجتمع، إضافة إلى زيادة تدفقات الإيرادات غير النفطية على الميزانية العامة للدولة.
إنشرها