Author

التحفيز الحكومي يبقى الأهم

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الاقتصاد العالمي سيستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام، للعودة إلى مستويات ما قبل كورونا"
ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي
هناك مؤشرات إيجابية على إمكانية تراجع الضغوط الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كوفيد - 19 المستجد. لكن الطريق لا تزال عامرة بالمطبات على مستوى العالم، مع الإشارة إلى الجهود التي لا تتوقف للوصول إلى مرحلة تتسم بالإيجابية للانتقال بعدها إلى مرحلة أخرى مشابهة وهكذا، إلى أن ينتهي الانكماش الحاصل على الساحة الدولية، ويعود النمو مجددا، بصرف النظر عن معدلاته. لا أحد يتوقع نموا مرتفعا سريعا، لكن الجميع يأمل أن تبدأ مؤشرات النمو بالظهور، لتمنح الثقة وتعزز اليقين في هذا البلد أو ذاك. الهدف يبقى دائما إعادة تحريك عجلة الاقتصادات الوطنية وبالتالي تحرك الاقتصاد العالمي للسيطرة على الخسائر التي مني بها على مدى عام تقريبا، ولا تزال حاضرة على الساحة حتى الآن.
الحديث عن الانتعاش في الوقت الراهن سابق لأوانه، لأن الاقتصاد العالمي يحتاج أولا إلى تفعيل الأدوات القادرة على امتصاص تلك الخسائر التي دفعت الديون السيادية إلى أعلى مستوى لها في التاريخ، وكبلت الموازنات العامة. فهذه الديون بلغت في العام الماضي ما يقرب من 100 في المائة من إجمالي الناتج العالمي السنوي تقريبا. وتتوقع المؤسسات الدولية المعنية أن يستقر معدلها عند هذا المستوى في العام الجاري. والموارد العامة التي تم ضخها في عام الوباء وصلت إلى 15 تريليون دولار، أو ما يعادل 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وكل هذه الأموال رصدت من أجل إسناد الاقتصادات الوطنية في أزمة اقتصادية قيل: إنها لا تحدث إلا كل 100 عام، علما أن الأزمة الاقتصادية التي انفجرت عام 2008، حملت التوصيف نفسه. وهذا يعني أن العالم أصيب بأزمتين في غضون 12 عاما لا تحدث الواحدة منها إلى كل قرن من الزمن.
وبعيدا عن مثل هذه التوصيفات، فليس أمام الحكومات حول العالم سوى المضي قدما في مخططات التحفيز والإنقاذ المختلفة، إلى أن تتضح الصورة، وتبدأ محركات الاقتصاد العالمي بالدوران بالشكل المأمول. وهذا أمر صار قريبا في ظل الموجة المتنامية من اللقاحات المضادة لكورونا التي تفاعلت بسرعة بعد أسابيع من انفجار الموجة الثانية من هذا الوباء. ويبدو واضحا أن عمليات التلقيح تحقق قفزات نوعية، سواء على صعيد إنتاجها أو إيصالها إلى المناطق المستهدفة حول العالم، فضلا عن تكاليفها المنخفضة. دون أن ننسى أن تنامي الإصابات بهذا الوباء تمضي قدما أيضا، إلا أن مستويات السيطرة عليها صارت مرتفعة عما كانت عليه في بداية تفشيه، مع الإشارة إلى أن بعض الدول لا تزال غير قادرة على السيطرة حتى بحدها الأدنى على الوباء، بما في ذلك مثلا بريطانيا والبرازيل والولايات المتحدة.
سيكون هناك تفاوت في مستوى عودة النمو بين الدول في العام الجاري، وهذا أمر طبيعي، إذا ما نظرنا إلى مستويات النمو الوطنية التي سبقت الوباء. وعلى هذا الأساس، فلا غرابة أن تتقدم الصين والدول الناشئة في هذا المجال، وتتأخر المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتظهر في الوسط الولايات المتحدة. ونحن هنا لا نتحدث عن التعافي، لأنه يبقى مرحلة لاحقة لنمو أكثر استدامة. فالنمو الذي شهده أغلب الاقتصادات في الربع الثالث من العام الماضي، سرعان ما قضت عليه العودة السريعة للانكماش. وتتفق كل التوقعات على أن التعافي العالمي المأمول لن يكون حاضرا على الساحة قبل حلول عام 2024، أو بنظرة تفاؤلية أكبر، لن يتحقق قبل الربع الثالث من عام 2023. وإذا ما تم ذلك فعلا، سيكون العالم قد نجح في اختصار المسافة الزمنية المؤدية له.
لكن كل هذا مرتبط بالأداة المحورية الرئيسة، وهي عمليات التحفيز التي تنفذها الحكومات، وهي كفيلة أن تساعد على تحقيق الاقتصاد العالمي نموا في العام الجاري يصل إلى 4 في المائة بحسب البنك الدولي، أو 5.2 في المائة وفق صندوق النقد الدولي. وهذا الأخير، شدد في آخر تقرير له على ضرورة مواصلة جهود الدعم المالي والنقدي القوي الذي تنتهجه الدول لمساعدة اقتصاداتها، وأشار إلى ما وصفه بوجود قدر كبير من عدم اليقين حيال المخاطر التي يفرضها الارتفاع الجديد في إصابات كوفيد - 19. واللافت، أن الاقتصاد العالمي يترقب ببالغ الحماس المخططات التحفيزية التي أعلنها الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، التي بلغت في مرحلتها الأولى 1.9 تريليون دولار، وخطة أخرى بعدها ستركز على الاستثمارات، الأمر الذي سيعزز عجلة هذا الاقتصاد في دورانها المنشود.
الاقتصاد العالمي ببساطة عند مفترق طرق الآن، والسخاء الحكومي هو الوسيلة الأنجع لحماية مكتسباته، مع ضرورة الإشارة إلى أن العالم يتطلع إلى فترة انفراج سياسية مع تسلم بايدن مقاليد الحكم في بلاده، بعد أربعة أعوام من التوتر الذي نشرته استراتيجية الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب. فالإدارة المقبلة تنشد التعاون الدولي، وهو أمر مطلوب الآن على صعيد الاقتصادي العالمي أكثر من أي وقت مضى.
إنشرها