Author

مستقبل صناعة النفط بين الإعلام والواقع

|
مختص في شؤون الطاقة
هناك مبالغة من بعض وسائل الإعلام العالمية حول مستقبل النفط وصناعته، تحاول جاهدة رسم صورة ذهنية مضللة بأن نجم النفط قاب قوسين أو أدنى من الأفول، وأن مستقبل صناعته في خطر، وهي مبالغة غير موضوعية في رأيي توحي أحيانا كثيرة بأنها حملة إعلامية ممنهجة من مطبخ إعلامي واحد، فتارة عن اكتساح الطاقة المتجددة للأسواق، وتارة بتضخيم أثر صناعة السيارات الكهربائية في الطلب على النفط، وأن العالم سيستغني نهائيا عن الوقود في القريب العاجل. نعم، هناك توجه لإحلال مصادر الطاقة الأخرى بأنواعها المختلفة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها، وتطوير صناعتها، لكن هل يرتقي ذلك لمستوى المزاعم حول النهاية الحتمية القريبة لعصر النفط؟ تفاوتت الدراسات الاستشرافية حول مصادر الطاقة وحصتها العالمية على المديين القريب والمتوسط، منها المتفائلة والمتحفظة، ومنها الموضوعية المبنية على مدخلات دقيقة انعكست على مخرجاتها، وغير الموضوعية. تقرير "بريتيش بتروليوم" قبل جائحة كورونا يتوقع أن النفط سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة العالمية عام 2040 بنسبة 27 في المائة، ويأتي بعده الغاز الطبيعي بنسبة 25 في المائة، بينما ستحتل الطاقة المتجددة المرتبة الثالثة كمصدر للطاقة عام 2040 بنسبة قد تصل إلى 23 في المائة، ومن ثم الفحم الطبيعي بما يقارب 20 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية بنسبة 5 في المائة. ما سبق من أرقام يدل على أن النفط سيبقى المصدر الأول للطاقة في العالم مع الأخذ في الحسبان أنه ليس حكرا على الطاقة فقط، فله ولمشتقاته استخدامات وتطبيقات كثيرة جدا لا يتسع المقال لذكرها. جل المواد المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية ومحطات تزويدها بالكهرباء، والخلايا الكهروضوئية المستخدمة في محطات الطاقة الشمسية، جل هذه المواد من مشتقات النفط الذي يتباشر البعض بانتهاء عصره، التحرر من النفط من أهم الركائز الأساسية في الرؤية المباركة للمملكة، التي تهدف إلى رفع الصادرات غير النفطية من 16 في المائة من إجمالي الناتج غير النفطي إلى 50 في المائة بحلول عام 2030 بإذن الله. الصناعة النفطية ليست حكرا على صناعة المنبع، وبيع النفط خاما، بل هي أوسع من ذلك بكثير، وهي تشمل صناعة المصب أيضا التي تم التطرق إليها ولاستراتيجية أرامكو السعودية المميزة للتكامل بين هاتين الصناعتين والتوسع فيهما، الأمر الذي يحقق القيمة المضافة المرجوة. هذه الاستراتيجية المعلنة توضح للقارئ أنه ليس هناك أي تعارض بين التحرر من النفط والتوسع في صناعته، وبالتالي ليست هناك علاقة عكسية تجمعهما. رفع نسبة الصادرات غير النفطية إلى 50 في المائة بحلول عام 2030 بإذن الله لا يعني انخفاض قيمة الصادرات النفطية عما هي عليه الآن، ولا يعني ذلك أن سقف الصادرات النفطية سيبقى ثابتا ولا يصاحبه نمو كما هو الحال في الصادرات غير النفطية. الذي أراه أن النمو لكليهما سيستمر بإذن الله، لكن بوتيرة مختلفة حيث يكون نمو الصادرات غير النفطية أسرع من نمو الصادرات النفطية خلال الأعوام المقبلة التي تفصلنا عن عام 2030. تنويع مصادر الطاقة العالمية لا يلغي محورية صناعة النفط وأهميته، المشكل الحقيقي هو شح مصادر الطاقة مستقبلا ما سيقوض التنمية ويضر بالاقتصاد العالمي.
إنشرها