Author

قصص «التواصل»

|
هذا الأسبوع الذي ينتهي اليوم، شهد سجالا كبيرا وعميقا في عالم الاتصال وتطبيقات التواصل، والقصتان الأشهر هما إيقاف حسابات الرئيس الأمريكي ترمب في منصات التواصل الرئيسة، وإعلانا تطبيق "واتساب"، الأول عن مشاركة بيانات المستخدمين، والثاني "شبه التراجع" عن القرار.
الحدثان مهمان ليعرف من لم يكن يعرف أن هذه المنصات غير محايدة سياسيا، وغير محايدة فيما يتعلق بحرية الرأي، وأن كبرى الشركات المالكة لهذه الوسائل لديها أيضا أجنداتها التي تتقاطع أو تتوازى أو تلتقي مع مصالح دول وكيانات معينة، وبالطبع مع مستثمرين محددين.
لو كانت المسألة تتعلق بهواجس التحريض على العنف، لطبقت في أكثر من دولة، وعلى أكثر من شخصية عاثت في بعض الشعوب ظلما أو تخريبا أو تدميرا كاملا أو محاولات تدمير عرفناها في أكثر من بلد، خصوصا في البلدان التي نعرف اليوم أنها ما عادت تملك مقومات الدولة أو الحكومة الفاعلة.
الجانب الاقتصادي المالي مهم، فهذه الكيانات هي شركات لديها أصحاب مصلحة stakeholders، ولديها أسهم في بورصات العالم، ومن يملكون الأسهم يرفعون أو يخفضون قيمة سهم الواحدة منها تبعا لاتفاقهم أو اختلافهم مع إدارتها وقراراتها، وفي أحيان أقل، تبعا لشعبيتها وتفاعل الناس سلبا أو إيجابا مع سلوكها أو قراراتها.
هذه الشركات هي اليوم من مراكز القوى الكبرى، القوى الناعمة على وجه التحديد، وهي كما تتبعنا خلال الأيام الماضية توازن بين مصالح دول معينة على حساب أخرى، ومستثمرين معينين على حساب مستخدميها، وتتأرجح بين هذا وذاك عندما يتعلق الأمر بمنافسين قد يستغلون الوضع، وأسعار أسهم قد تنهار أو ترتفع تبعا لتوجهات الجمهور حول العالم، وهذا ظهر أكثر في قصة تطبيقات المحادثة الفورية.
يجب أن يدرك كل مستخدم لأي تطبيق أن هذه الأدوات ليست لزيادة التفاعل الإنساني. إنها اليوم أدوات حرب وسياسة واقتصاد وحروب استثمارية لا تخلو من ملامح استعمارية، وربما أحد الفوارق أنها تستعمر الناس بموافقة منهم. الناس الذين يشارك بعضهم في كل تطبيق وموضة جديدة بدعوى المواكبة أو لأهداف أخرى، ثم يتباكى على بياناته، ولا أعرف حقيقة أي بيانات يخشى عليها وتطبيق توصيل الطعام المحلي يعرف عنوانه وهاتفه وعاداته الغذائية أكثر من بعض أفراد أسرته؟!
من يملك التقنية والتطبيقات اليوم هو من يملك البيانات، ومن يملك البيانات هو من يستطيع التأثير، ومن يعتقد بأنه يحجب بياناته بإعدادات الخصوصية، فإنه فقط يحجبها عن آخرين، لكنها تبقى مسجلة لدى صاحب التطبيق أو التقنية.
إنشرها