Author

هل ستزداد أسواق النفط «تخمة»؟

|
مختص في شؤون الطاقة
ذكرت عدد من المقالات سابقا أن الوضع الاقتصادي الحقيقي الذي تئن تحت وطأته إيران بسبب العقوبات الاقتصادية بعيدا عن التصريحات العنترية لنظامها والرسائل الحماسية والتجييش، وضعها في مأزق كبير على جميع الأصعدة.
ووجد النظام الإيراني نفسه بين خيارين أحلاهما مر - من وجهة نظر إيرانية - إما التصعيد والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وإما موافقتها على الشروط الأمريكية كاملة وأن تصبح دولة مسالمة تتخلى عن أيديولوجيتها المبنية على الإرهاب وتصديره، ونشر الخراب في كل بقعة تصل إليها. النظام الإيراني يعي تماما أن الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفائها في المنطقة وتهديد الإمدادات النفطية والأمن الطاقي العالمي يعد المسمار الأخير في نعشه، لذلك أرى أن النظام الإيراني لن يجرؤ على هكذا خطوة.
في المقابل، هل سيحكم النظام الإيراني عقله بأن يصبح نظاما مسالما ينفض يديه من الإرهاب ويتفرغ لتنمية وطنه وبناء الإنسان الإيراني والالتفات إليه وإلى احتياجاته؟ لا يعتريني شك أبدا في أن جميع العقلاء يودون أن تعود إيران إلى رشدها وإلى حدودها، وتحكم عقلها بكف شرورها عن العالم بأسره، لكني أرى أن نظاما مثل هذا وبهكذا سلوك لن يحقق ذلك، فهذا خيار غير مقبول لدى نظام جبل على الإرهاب وروح دستوره "تصدير الثورة". في رأيي، أن إيران كانت تسعى جاهدة إلى البقاء في المنطقة التي تجيد المراوغة فيها بلا مواجهة مباشرة ودون التبرؤ من الإرهاب وتصديره مراهنة على الوقت، والقيام بكل ما يلزم حتى تأتي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، معلقة الأمل في عدم تمديد الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وأن يأتي رئيس جديد يقبل بالمفاوضات ويفك الخناق عنها ويخلصها ولو قليلا من العقوبات الخانقة. هذا ما حدث بالفعل.
أصبح الرئيس الأمريكي بايدن، قاب قوسين أو أدنى من إدارة الدفة الأمريكية رسميا، ما يقودنا إلى سؤال استشرافي مهم "هل سيتم رفع أو تخفيف العقوبات في عهد بايدن؟". تباين الطرح والتوقعات حول سياسة بايدن المتوقعة مع الملف الإيراني والتعاطي معه، فهناك من يرى أن بايدن سيفتح الباب على مصراعيه لإيران ما يمكنها من العودة إلى وضعها السابق قبل العقوبات، وفي المقابل هناك من يرى أن واشنطن ستتعامل مع الملف الإيراني بأسلوب الإدارة الأمريكية السابقة ذاته دون تغيير جذري مع بعض المرونة التي تهدف إلى تحقيق المراد من النظام الإيراني. رفع العقوبات الأمريكية عن إيران يعني عودة ما لا يقل عن 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني إلى الأسواق تدريجيا، التي تعاني تخمة قوية بسبب جائحة كورونا وضعف الطلب.
إن حدث ذلك، وهو مستبعد في رأيي، لن تعود صادرات النفط الإيرانية إلى سابق عهدها بسهولة، بل سيتطلب ذلك وقتا طويلا لأسباب فنية تتعلق بحقولها. إضافة إلى سوق متخمة من الصعب جدا المنافسة فيها حاليا والحصول على حصص سوقية كبيرة. إن حدث ذلك، أعتقد بأن "أوبك" بقيادة المملكة أثبتت أنها قادرة - بعد توفيق الله - على تجاوز جميع العقبات بحكمة وفاعلية بالتعاون مع حلفائها المؤثرين، كصمام أمان للأمن الطاقي العالمي، ما يعزز استقرار أسواق النفط التي تصب في مصلحة المنتجين والمستهلكين.
إنشرها