FINANCIAL TIMES

غسل الأموال .. بصل وبطاطس وسيارات فاخرة

غسل الأموال .. بصل وبطاطس وسيارات فاخرة

بصل، بطاطس، فواكه طرية، سيارات فاخرة، ساعات باهظة الثمن (...) هذه كأنها قائمة بضائع تم احتجازها عند معبر القنال في فوضى السفر في المملكة المتحدة قبل عيد الميلاد. لكنها عينة من بعض الصادرات التي تشكل قلقا طويل الأجل للشركات العالمية: غسل الأموال القائم على التجارة TBML.
في بداية كانون الأول (ديسمبر) أصدرت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية FATF – وهي الجهة الحكومية الدولية الرقابية للجرائم المالية وتمويل الإرهاب – تقريرا جديدا عن مكافحة غسل الأموال القائم على التجارة، مستشهدة بحالات تشمل جميع هذه الصادرات. رفض رئيسها، ماركوس بليير، التكهن بما إذا كانت هذه الطريقة في نقل عائدات الجريمة – المختلفة عن غسل الأموال بين البنوك ونقل الأموال النقدية – تستخدم الآن بشكل أكبر. أشار فقط إلى المبالغ التي يمكن غسلها من خلال الصفقات التجارية الوهمية. قال: "إحدى الشبكات الإجرامية التي تستخدم TBML كانت قادرة على نقل 400 مليون دولار على مدى عدة أعوام".
لكن بعد أيام من ذلك، كانت وزارة الخزانة البريطانية ووزارة الداخلية أقل حذرا بكثير. في "تقييمهما الوطني الثالث للمخاطر"، قدرتا أن المبالغ التي تم غسلها في بريطانيا وحدها، بكل الوسائل، كانت "مئات المليارات من الجنيهات سنويا". ولم يكن لديهما أدنى شك في أن TBML أصبحت "أسلوبا مفضلا (...) زاد منذ 2017".
في تقرير فرقة العمل المالية FATF، يقال إن غسل الأموال القائم على التجارة يتخذ أربعة أشكال رئيسة: الفوترة الزائدة أو الناقصة للسلع – حيث يتم تحريف الأسعار لتحويل القيمة، الشحن الزائد أو الناقص للبضائع – بما في ذلك "الشحنات الوهمية" حيث لا يتم نقل أي شيء على الإطلاق، فواتير متعددة للبضائع نفسها – حيث يعاد استخدام المستندات التجارية عدة مرات، والسلع الموصوفة بشكل خاطئ – حيث يتم التقليل من الجودة لتحويل القيمة.
كان كثير من هذه الممارسات حاضرا في الأمثلة التي أبلغت عنها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية. تم تصدير البطاطس والبصل اللذين تم شراؤهما بشكل تقليدي في هولندا وألمانيا إلى شركات في شمال إفريقيا، لكن الفواتير وجهت مدفوعات كبيرة إلى حسابات يسيطر عليها تجار مخدرات.
تم دفع تكاليف صادرات فاكهة من نيوزيلندا من قبل شركات وهمية تابعة لأطراف ثالثة لإعادة بيعها مقابل أموال "نظيفة" – لكن الفواتير المزيفة التي عرضت على البنوك وصفت الشحنات بأنها "بلاط خزفي".
تم بيع سيارات فاخرة تالفة عبر الحدود، من قبل عصابات إجرامية، ذات قيمة منخفضة معلنة في نقاط الشحن، قبل إصلاحها وإعادة بيعها بأسعار تقارب أسعار غير التالفة.
ساعات تم شراؤها في سويسرا وإسبانيا من قبل شركات "استيراد وتصدير" مفترضة استخدمت ببساطة لتحويل القيمة إلى تجار مخدرات في المغرب وهولندا.
لم يكن ذلك من شأن الوباء إلا أنه وسع الفرص. وفقا لتقييم المخاطر في المملكة المتحدة: "الطلب المتزايد على سلع وخدمات معينة لمكافحة انتشار كوفيد - 19 يمثل مخاطر إضافية من حيث غسل الأموال على أساس TBML ". حذر التقييم من أن المعاملات المزعومة للأدوية والمنسوجات ومعدات الحماية الشخصية من المرجح بشكل متزايد أن يستغلها المجرمون.
قال جونا أندرسون، وهو شريك في مكتب جرائم ذوي الياقات البيضاء في شركة المحاماة وايت آند كيس، إن غسل الأموال القائم على التجارة من المرجح دائما أن يزدهر في الوقت الذي أصبح فيه استخدام الأساليب الأخرى أكثر صعوبة. أشار إلى "أننا نستخدم النقود أقل كثيرا هذه الأيام، كما أن عمليات الإغلاق الوطنية المختلفة جعلت من الصعب على المجرمين نقل الأموال عبر الحدود".
أضاف: "بريكست يعني أن سلاسل التوريد تعطلت، لذا يتعين على الشركات التحول إلى أطراف مقابلة جديدة وغير مألوفة، ما يزيد من خطر أن تصبح قناة في مخطط TBML"
بالنسبة لبعض الشركات يمكن أن يؤدي هذا إلى مخاطر حقيقية. في حين أن معظم عمليات TBML تجرى عبر شركات وهمية، إلا أن بعض الحالات تضمنت شركات قائمة أو أشخاصا يعملون لديها. يمكن أن تشمل العواقب التحقيق الجنائي والمحاكمة المحتملة لكبار المديرين، كما حذر ريك ماكدونيل من رابطة المتخصصين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال.
قد تقع المسؤولية القانونية بعد ذلك على عاتق الشركة إذا لم تستطع إظهار أن لديها ضوابط كافية. قالت آنا برادشو، الشريكة في شركة بيترز آند بيترز القانونية: "في معظم الولايات القضائية قد تكون في مأزق إذا فشلت في اتخاذ خطوات لحل أي شيء قد يعد مريبا بالنسبة إليك".
علاوة على ذلك، يأتي الضرر الذي يلحق بسمعة الشركة، كما تضيف السيدة برادشو، و "النتيجة غير المعروفة بالقدر نفسه" المتمثلة في احتمال تعرضها لعقوبات من قبل الحكومات أو استبعادها من النظام المالي.
وخلص تقرير مجموعة العمل المالي إلى أن واجب الشركات هو توخي اليقظة ورفع مستوى الوعي بشأن غسل الأموال القائم على التجارة بين عملائها وإبلاغ السلطات بالشكوك. لكن توصيته الرئيسة هي أن تشارك في شراكات مع المنظمين وإنفاذ القانون.
في هذا، تعد المملكة المتحدة وألمانيا من الدول الرائدة. في 2015 دعت السلطات البريطانية الشركات للانضمام إلى فرقة العمل المشتركة للاستخبارات الخاصة بغسل الأموال JMLIT، التي تم توسيعها أخيرا لتشمل شركات التأمين والاستثمار. بالمثل، في أيلول (سبتمبر) الماضي، التحالف الألماني لمكافحة الجرائم المالية جمع بين مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية، وهيئة الرقابة المالية الفيدرالية، ووحدة الاستخبارات المالية، و 14 مصرفا.
لكن كما أشار أندرسون "تركز JMLIT على القطاع الخاضع للتنظيم، تحديدا البنوك (...) ومحاولة اكتشاف TBML في سياق نشاط أوسع يمكن أن يكون مثل محاولة العثور على إبرة في كومة قش".
لهذا السبب هو ينصح الشركات غير المالية بالتأكد من أن لديها عمليات داخلية للامتثال لتشريعات غسل الأموال والرشا والجرائم المالية الأخرى. "لا يمكنك القضاء على جميع المخاطر، لكن يمكنك التخفيف من حدتها إذا كان لديك إطار امتثال مناسب مطبق وعناية في سلسلة التوريد لديك".
بالنسبة لهذا الجانب، ينبغي على فرق تمويل الشركة أن تضيف بعض الشكوك الصحية حول ما هو موجود في الشاحنة وعلى الأوراق، حسبما أشارت برادشو. "كن يقظا بشأن استجواب مستندات الشحن – الفواتير وقوائم التعبئة والشهادات والتعليمات والعقود وسندات الشحن. توقف قليلا واسأل نفسك: هل هذا منطقي من ناحية تجارية؟".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES