Author

التوازن المرتقب في السوق العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تفاوتت خلال الأعوام القليلة الماضية، سرعة تنفيذ عديد من الحلول التي تم إقرارها لأجل تنظيم نشاط السوق العقارية المحلية، وصولا إلى توازنها المنشود، الذي تتحقق معه عدالة الأسعار لمختلف الأصول العقارية المنقول ملكيتها، وقبل كل ذلك لتتخلص من أكبر تشوهاتها كاكتناز الأراضي بمساحات شاسعة داخل المدن الرئيسة دون انتفاع أو تطوير أو استخدام، أو اتساع عمليات المضاربة على الأراضي وتدويرها بين مجموعات من المضاربين الذين يستهدفون جني مكاسب سعرية، وكلا التشوهين وقف - كما أثبتت تجربة السوق طوال العقد الماضي - خلف تشكل فقاعات سعرية في السوق، ما أدى بدوره إلى زيادة صعوبة تملك الأراضي والمساكن بالنسبة لأغلب أفراد المجتمع، ولهذا قامت الدولة - أيدها الله - كأول وأهم خطوة على طريق حل تلك التحديات بإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يتركز مفعوله على جانب العرض، وبهدف تحريره من تشوهات الاكتناز والاحتكار والمضاربة، ولاحقا بدأت برامج تسهيل الحصول على التمويل اللازم في جانب الطلب.
انتهت تجربة أكثر من أربعة أعوام مضت، لتدخل السوق العقارية عامها الخامس، وانتقلت الرسوم على الأراضي إلى مرحلة ثانية، توزعت بين بدء تطبيق المرحلة الثانية من نظام الرسوم على المدن الرئيسة - الرياض، جدة، الدمام -، ويتوقع أن تلحق مكة المكرمة بتلك المدن في مرحلة زمنية من العام الجاري، بينما بدأ العمل وسيبدأ بتطبيق المرحلة الأولى من النظام في 17 مدينة أخرى، في الوقت ذاته الذي لا يزال العمل مستمرا ببرامج تسهيل الحصول على التمويل اللازم، الذي شهد نشاطا غير مسبوق خلال العامين الأخيرين 2019 - 2020.
إن تحقق التوازن المرتقب حدوثه بدأ من العام الجاري وما سيليه خلال الأعوام القليلة المقبلة، بين بنود تلك الحلول المقررة على كل من جانبي العرض والطلب، يعني اقتراب السوق العقارية أكثر فأكثر من التوازن المنشود تحقيقه في تعاملاتها ونشاطها، والكفيل بكل تأكيد بتحقق التوازن والعدالة في مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، والتركيز بالطبع في هذا الجانب على الأصول والمنتجات السكنية ذات العلاقة المباشرة بأفراد المجتمع.
إذا حدث الإسراع على طريق تنفيذ الحلول في جانب العرض، ولم تقابله بالوتيرة نفسها في جانب تحفيز الطلب، فالنتيجة ستأتي بسرعة في وتيرة هبوط الأسعار السوقية، والعكس صحيح بالطبع، إذا حدث تسارع في حلول تحفيز الطلب بأسرع مما هو عليه في جانب العرض، فالنتيجة ستأتي بسرعة في وتيرة ارتفاع الأسعار السوقية، ولتصل إلى أعلى مما كانت عليه سابقا، وقد يكون جزء من هذا المشهد قد حدث خلال الفترة القصيرة الماضية، ويوشك أن يتوقف بعد إقرار اللجنة الوزارية القائمة على تنفيذ نظام رسوم الأراضي البيضاء، بالانتقال إلى المرحلة الثانية من تنفيذ الرسوم على المدن الرئيسة التي بدأ تطبيق النظام عليها قبل أكثر من أربعة أعوام، والبدء بتنفيذ المرحلة الأولى على 17 مدينة إضافية، ويؤمل بالطبع أن تتسارع هذه الوتيرة من العمل الإيجابي، الذي سيسرع تحقق الأهداف المنشودة من إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات.
إن من أهم الإيجابيات التي ستشهدها السوق العقارية خلال الأعوام القليلة المقبلة، هو الاندفاع نحو استخدام وتطوير المساحات الشاسعة من الأراضي داخل المدن والمحافظات، وهي الصورة التي تختلف تماما عما كانت عليه أوضاع السوق طوال العقد الماضي أو أكثر، التي كانت تشهد إزاء ارتفاع الأسعار السوقية للأصول العقارية عموما، وللأراضي خصوصا، مزيدا من تملك الأراضي لفترات طويلة، ومزيدا من عمليات المضاربة عليها. إنما في ظل هذا التوازن والتقارب في سرعة تنفيذ الحلول الهادفة لتنظيم وتطوير تعاملات السوق العقارية، ستأتي الصورة مختلفة تماما مرحلة بعد مرحلة، ستتمتع السوق والاقتصاد بمزيد من التحرك نحو تحول تلك الأراضي إلى مناطق الاستخدام والتطوير والبناء، ومن ثم زيادة المنتجات العقارية باختلاف أنواعها - سكني، تجاري، زراعي، صناعي -، والوصول بمستوياته من العرض إلى ما يقابله في جانب الطلب، في ظل بيئة أكثر تنافسية من حيث الجودة والسعر، وهما الأمران اللذان كانا ضئيلي الوجود طوال العقد الماضي على أقل تقدير.
الأمر الآخر: إن جميع ما سبق ذكره من تطورات إيجابية سيتدافع حدوثها فترة بعد فترة، سيتزامن مع تناقص حجم الطلب المتراكم لدى كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، ولعل ما تم إنجازه خلال العامين الماضيين يؤكد للجميع أن رصيد الطلب خلال الفترة الراهنة، قد أصبح أدنى مما كان عليه قبل أكثر من عامين، وسيتناقص تدريجيا طوال الفترة المقبلة إلى أن يصل إلى مستوياته الطبيعية، وكل هذا في المجمل سينعكس - بمشيئة الله تعالى - على ارتفاع جودة المنتجات العقارية نتيجة ارتفاع المنافسة، وسينعكس على عدالة الأسعار السوقية مع زيادة حجم المعروض من المنتجات وتنوعها من جانب، ومن جانب آخر مع استمرار تراجع حجم الطلب فترة بعد فترة، وعودته في نهاية الأمر إلى استقراره عند مستوياته الطبيعية.
ختاما: إذا كان عنوان الأمر بالنسبة لمن يقفون في جانب الطلب هو التأني وحسن الاختيار، فإنه على العكس من ذلك تماما في جانب العرض، الذي سيكون عنوان العمل بالنسبة له: سرعة التطوير والإنجاز، وإنه العنوان الأول للعمل في ظل البيئة التنافسية التي تزداد وتيرتها في السوق العقارية، سواء على مستوى جودة المنتج وتنوعه، أو مستوى الأسعار المنافسة والأكثر جذبا، وهي النتيجة المأمول تحققها في السوق العقارية التي تقترب فترة بعد فترة من توازنها المنشود، مع كل توازن يتم على مستوى الحلول والإجراءات التي تستهدف زيادة تنظيمها وتطويرها، وتخليصها من التشوهات التي عانتها والاقتصاد الوطني والمجتمع طوال أعوام طويلة مضت.
إنشرها