Author

«زامر الحي لا يطرب»

|

هذا المثل لا يزال منطبقا في كثير من الأحيان على ما نلمسه من شواهد في مجتمعنا وبعض المجتمعات الأخرى. يضرب هذا المثل حين يلقى الإنسان من مجتمعه النكران لقدراته والنظرة بدونية لقيمته وإمكاناته. أصل المثل أن زمارا نبغ في العزف على مزماره، ولكن لم يكن أهل بلدته يعيرونه أي اهتمام على الرغم من موهبته الفذة، فكان أن مر به رجل من بلدة أخرى فأعجب بقدرته وطلب منه أن يصحبه إلى بلدته وهناك عزف بمزماره مبدعا كعادته فنال إعجاب الناس وأغدقوا عليه الهدايا، ثم إنه بعد مدة طويلة قرر العودة إلى قريته ورافقه صاحبه الذي تعرف عليه، فاجتمع أهل البلدة وأعجبوا بعزفه قبل أن يعلموا أنه صاحبهم، فلما علموا بذلك انصرفوا ولم يبق حوله إلا صاحبه. فقال له صاحبه المقولة التي ذهبت مثلا "زامر الحي لا يطرب". والوقائع على مر التاريخ تدل على صدق هذا المثل فإن مما يروى أن والدة الإمام أبي حنيفة النعمان حلفت يمينا فحنثت فاستفتت أبا حنيفة فأفتاها فلم ترض وقالت، لا أرضى إلا بما يقوله زرعة القاص فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة فقال زرعة مخاطبا والدة أبي حنيفة، أأفتيك ومعك فقيه الكوفة؟ فقال أبو حنيفة أفتها بكذا وكذا. فأفتاها فرضيت! وما ذاك إلا لأن الأم لا ترى ولدها مهما كبر في السن إلا ذلك الصغير الذي يحبو حولها! ومما يروى عن ابن الجوزي قوله:
عذيري من فتية بالعراق
قلوبهم بالجفا قلب
يرون العجيب كلام الغريب
وقول القريب فلا يعجب
وعذرهم عند توبيخهم
مغنية الحي ما تطرب
إن مما يلمس واضحا في كثير من الشركات والقطاعات الزهد في توظيف المواطن الخبير وعدم تقدير قدراته وإمكاناته، وعلى خلاف ذلك يعطى الخبير الأجنبي التقدير والاهتمام وهو الذي ربما تكون بضاعته الكلام، والدليل أن كثيرا من دور الاستشارات الأجنبية تلجأ إلى الجامعات والمختصين طالبة منهم إبداء الرأي فيما يطلب منها! إننا في حاجة ماسة وعاجلة إلى استعادة الثقة في كفاءاتنا الوطنية. ورحم الله القائل:
كم حكمة لي فيكم لو رميت بها
لقعر بحر لجاءتني جواهره
لا عيب لي غير أني في دياري
وزامر الحي لا تطرب مزامره

إنشرها