Author

عام كورونا وجهاز «أوبك» المناعي

|
يعرف المختصون في مجال الطب الجهاز المناعي بأنه منظومة من العمليات الحيوية، التي تقوم بها أعضاء وخلايا وجسيمات داخل جسم الكائن الحي بغرض حمايته من الجسيمات الغريبة كالفيروسات لتحييدها أو إبادتها. فيروس كورونا كوفيد - 19 لم يقتصر ضرره على صحة الإنسان فحسب، بل تعدى أثره السلبي إلى أبعد من ذلك بكثير، فقد اخترق جل القطاعات وتفاوت ضرر هذه القطاعات بحسب مناعتها وقدرتها على التشافي من هذا الفيروس أو التعايش معه. عام 2020 كان عاما صعبا جدا بل كان الأصعب على العالم بأسره واقتصاده، حيث يقدر الصندوق الدولي انكماش الاقتصاد العالمي في هذا العام بنحو 4.4 في المائة ما يعادل 3.7 تريليون دولار، ونسبة الدين العالمي من الإنتاج المحلي الإجمالي بلغت 365 في المائة. لمعرفة حجم الضرر الذي أصاب الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، فلنقارنها بالأزمة المالية العالمية عام 2008، التي انكمش فيها الناتج العالمي نحو 1 في المائة، وهو ما يعادل 1.1 تريليون دولار. بلغة الأرقام يمكن القول: إن ضرر جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي يتجاوز ثلاثة أضعاف أثر الأزمة المالية العالمية. قطاع النفط كان الخاسر الأكبر والأكثر تضررا بين القطاعات الأخرى في عام 2020، بل كانت خسائره لا تقارن أيضا بأحداث عالمية جوهرية، مثل أزمة الأسواق الآسيوية، وكذلك الأزمة المالية العالمية. في أزمة الأسواق الآسيوية عام 1997، انخفض الطلب على النفط بنسبة 5 في المائة التي تعادل ثلاثة ملايين برميل يوميا، بينما انخفض الطلب على النفط بما يقارب 6 في المائة في الأزمة المالية العالمية، بواقع خمسة ملايين برميل يوميا. في عام 2020 انخفض الطلب على النفط بصورة حادة، حيث بلغت نسبة انخفاضه نحو 22 في المائة، ما تعادل 23 مليون برميل يوميا، بسبب الجائحة التي تسببت في شلل اقتصادي عالمي، وإقفال جزئي أو كلي في جل دول العالم، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط وانخفاض أسعاره ووصوله إلى أرقام تاريخية. في رأيي، إن فيروس كورونا كان اختبارا حقيقيا هو الأصعب لجهاز "أوبك" المناعي، وقدرته على التصدي له كي لا ينهار، وتنهار أسواق النفط لمدة طويلة الله أعلم بها. ما قامت به "أوبك" بقيادة السعودية للتعامل مع هذه الأزمة الاستثنائية، هو عمل استثنائي يشار إليه بالبنان، وأنموذج حقيقي للتعامل مع الأزمات وإدارتها. في نيسان (أبريل) الماضي وصل سعر برميل خام برنت إلى 19.3 دولار للبرميل، وبفضل من الله ومن ثم بفضل التعامل الأمثل مع هذه الأزمة وبتعاون الجميع تقريبا في خفض الإنتاج من داخل "أوبك" وخارجها، وبحثهم على رفع مستوى الالتزام في خفض الإنتاج بطريقة القيادة بالقدوة، ارتفع سعر برميل النفط في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى أكثر من 51 دولارا للبرميل. هذا يعني أن الإجراءات الفاعلة التي تم اتخاذها أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بين شهري نيسان (أبريل) وكانون الأول (ديسمبر) الماضيين بنحو 165 في المائة، وهذا نجاح كبير، ولا أصدق من لغة الأرقام. أعتقد أن ما حدث في قلب هذه العاصفة أثبت قوة جهاز "أوبك" المناعي الذي اكتسب مناعة إضافية من هذه الظروف القاسية، وأن "أوبك" مستعدة - بعد توفيق الله - للتعامل مع أي طارئ أو تهديد لتوازن أسواق النفط التي تجاوزت الأسوأ بإذن الله.
إنشرها