الطاقة- النفط

سوق النفط تنهي عاما عصيبا في 2020 بخسائر 20 % .. و"أوبك +" تنقذ الصناعة بقرارات ورسائل قوية

سوق النفط تنهي عاما عصيبا في 2020 بخسائر 20 % .. و"أوبك +" تنقذ الصناعة بقرارات ورسائل قوية

يتوقع استمرار النفط كمصدر رئيسي للطاقة على المدى الطويل رغم نمو الطلب على مصادر الطاقة المتجددة.

سوق النفط تنهي عاما عصيبا في 2020 بخسائر 20 % .. و"أوبك +" تنقذ الصناعة بقرارات ورسائل قوية

استقرار السوق ضروري لجذب مستويات الاستثمار اللازمة لتلبية الطلب على النفط في المستقبل.

واجه سوق النفط الخام عاما استثنائيا في 2020 وغير مسبوق عبر تاريخ الصناعة بسبب جائحة كورونا، التي اندلعت مع بداية العام وظهر تأثيرها واسعا في الربع الأول من العام الماضي وامتدت تأثيراتها السلبية على مدار شهور العام.
وأنهت أسعار النفط عام 2020 على تراجع عقب مكاسب سابقة بسبب خطة التحفيز المالي الأمريكية، إضافة إلى اعتماد لقاحات جديدة لمواجهة جائحة كورونا وفي ظل زيادة الآمال يتعافى الطلب خلال العام الجديد 2021.
وخسرت الأسعار نحو 20 في المائة من قيمتها، بسبب انتشار الجائحة وما ترتب عليها من الإغلاق العام وفقد الوظائف واتساع المخاوف بشأن الركود والانكماش الاقتصادي العالمي نتيجة تدمير الطلب.
واختتمت السوق، العام بتطورين لافتين ومتضادين في التأثير في السوق، الأول هو ظهور لقاحات معتمدة حصلت على تصريح التداول الطارئ وأبرزها لقاح "فايزر – بيونتك"، الذي بدأ تداوله على نطاق واسع في السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أما التطور الثاني الذي ظهر قبل نهاية العام وهو تحور الفيروس وظهور سلالة خطيرة في بريطانيا تبعها سلالة أخرى في جنوب إفريقيا مما بدأ معه مسلسل فقد المكاسب السابقة نتيجة تجدد المخاوف على الطلب واتساع نطاق الإغلاقات الاقتصادية في عديد من دول العالم.
وبدأت أول أزمات السوق في الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك وتحالف "أوبك +" في آذار (مارس) الماضي وهو آخر اجتماعات الوزراء وجها لوجه قبل التحول في الاجتماعات اللاحقة على مدار 2020 إلى الاجتماعات الافتراضية عبر الإنترنت، بسبب صعوبات الطيران وزيادة إجراءات وقيود الوقاية الصحية.
وخلال اجتماع آذار (مارس) تم فرض قيود صحية مشددة ومنع التجمعات ونقل الإعلام إلى غرفة مستقلة في أحد الفنادق القريبة من مقر "أوبك". وكان الاجتماع متوترا للغاية بسبب تباين وجهات النظر بين المنتجين حول آليات التعامل مع تحديات السوق، خاصة أن أبعاد الجائحة وحجم تأثيرها في الطلب لم يكنا معروفين بدقة في هذا التوقيت.
كما بدا التباين بين مواقف المنتجين واسعا حتى انتهي الاجتماع دون اتفاق على تخفيضات إنتاجية جديدة وعودة جميع المنتجين إلى الإنتاج بكامل طاقاتهم ما أدى إلى اندلاع حرب الأسعار في السوق، خاصة مع صعوبة تقريب وجهات النظر بين السعودية وروسيا في هذا التوقيت.
وشهد نيسان (أبريل) الماضي واحدة من أسوأ الأحداث في تاريخ صناعة النفط الخام الطويل، حيث هوت أسعار النفط الخام الأمريكي لأول مرة إلى المنطقة السلبية وتجاوز سعر البرميل سالب 40 دولارا للبرميل بسبب تخمة المعروض وتشبع قدرات التخزين وصعوبة التسويق، في ظل تسارع إنتاج كبار المنتجين بأقصى قدراتهم، في إطار حالة اللاتفاق وزيادة حدة حرب الأسعار وسط طلب ضعيف جراء سرعة انتشار الجائحة، التي نالت في هذا الوقت بشكل أساسي من الطلب الآسيوي وهو محور الطلب العالمي وتحديدا في الصين، التي كانت موطن انطلاق الوباء.
لكن سرعان ما أدرك المنتجون حجم التحديات الواسعة التي تواجه السوق وأن العمل الفردي غير مناسب للمنتجين في هذه المرحلة وأنه لا بديل عن العودة إلى التعاون والعمل الجماعي والحفاظ على تماسك تحالف "أوبك +" بعد أربعة أعوام من النجاح المشترك.
وبحسب تقرير لمنظمة أوبك، اتفق المنتجون في تحالف "أوبك +" في اجتماعين استثنائيين في 9 و12 نيسان (أبريل) على تعديلات طوعية جديدة للإنتاج، هي الأكبر والأوسع عبر تاريخ الصناعة، وقد بدأت بخفض الإنتاج بحجم قياسي وهو 9.7 مليون برميل يوميا في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) 2020 وقد تم تمديدها لاحقا حتى تموز (يوليو) 2020 مع الاتفاق على استمرار برنامج خفض الإنتاج بشكل تدريجي حتى نيسان (أبريل) 2022.
وتعد تعديلات العرض هذه هي الأكبر والأطول في تاريخ منظمة أوبك وصناعة النفط وقد لاقت استحسانا واسعا من جميع الأطراف المعنية في السوق، التي قدرت هذا التدخل القوي والحاسم لمجموعة "أوبك +" لاستعادة التوازن في السوق وتقديم مساهمة قوية للتغلب على تداعيات الجائحة التي أثارت مخاوف واسعة على الصناعة ما زالت مستمرة حتى الآن.
ووفقا لتقرير "أوبك" تم تعزيز التعديلات لاحقا في الاجتماع الوزاري الـ11 لـ"أوبك" وغير الأعضاء في منظمة أوبك في 6 حزيران (يونيو) الماضي، حيث تم الاتفاق على زيادة إنتاجية بنحو مليوني برميل في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) لمواجهة ارتفاع الطلب المحلي في فصل الصيف وبقاء هذه الزيادة حتى نهاية العام، وهو ما بعث رسالة قوية للسوق تؤكد القدرة على التكيف مع تحديات السوق من قبل مجموعة المنتجين الذين اتفقوا أيضا على آلية تعويض للدول الأعضاء ذات الأداء الضعيف في تنفيذ حصص خفض الإنتاج.
وفي اجتماع المنتجين في 3 كانون الأول (ديسمبر) 2020 في إطار الاجتماع الوزاري الـ12 لـ"أوبك" والدول غير الأعضاء في منظمة أوبك وافقت الدول الأعضاء بالإجماع على تنفيذ مرن لتعديلات الإنتاج الطوعي الخاصة بـ"أوبك +" في الربع الأول من عام 2021.
وفي ضوء أساسيات سوق النفط الحالية والتوقعات المستقبلية لعام 2021 اتفق منتجو "أوبك +" على إعادة تأكيد الالتزام الحالي بإعلان التعاون المنفذ اعتبارا من 12 نيسان (أبريل) 2020 الذي تم تعديله في حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) 2020 لإرجاع مليوني برميل يوميا بشكل تدريجي مع مراعاة ظروف السوق.
وقد قرر المنتجون في
"أوبك +" تعديل الإنتاج طوعيا بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا من 7.7 مليون برميل يوميا إلى 7.2 مليون برميل يوميا بدءا من كانون الثاني (يناير) 2021 وعلاوة على ذلك اتفق المنتجون على عقد اجتماعات وزارية شهرية لمنظمة أوبك وخارجها اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2021 مع تمديد آلية التعويضات الإنتاجية للدول المقصرة إلى نهاية آذار (مارس) 2021.
وتؤكد منظمة أوبك من خلال عديد من الاجتماعات الوزارية والفنية التي عقدت على مدار 2020 خاصة لجنة المراقبة التي ترأسها السعودية وروسيا لتقييم مستوى الامتثال لتخفيضات الإنتاج على السعي لتحقيق سوق مستقرة ومستدامة لمصلحة المنتجين والمستهلكين.
وسجلت نسبة امتثال المنتجين لتخفيضات الإنتاج في آخر اجتماع وزاري للجنة المراقبة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ارتفاعا في مستوى الامتثال إلى 103 في المائة.
وشدد تقرير لمنظمة أوبك على أن استقرار السوق ضروري لجذب مستويات الاستثمار اللازمة لتلبية الطلب على النفط في المستقبل، ووفقا لتوقعات النفط العالمية لعام 2020 الصادرة عن منظمة أوبك سيحتاج قطاع النفط العالمي إلى استثمارات تراكمية تبلغ 12.6 تريليون دولار في عمليات التنقيب والإنتاج والتوزيع حتى عام 2045 وستكون هذه الاستثمارات حيوية لتحسين كفاءة الصناعة.
وبالنسبة لتطورات الأسعار، ظل مستوى الأسعار بين 30 و40 دولارا للبرميل في أغلب شهور العام باستثناء نيسان (أبريل) الماضي، الذي شهد قمة انهيار الأسعار وانزلاق الخام الأمريكي إلى المنطقة السلبية، لكن اعتبارا من أيار (مايو) الماضي وعلى مدار عدة شهور استعادت الأسعار عافيتها مع بدء تخفيضات الإنتاج بمستويات قياسية من قبل تحالف "أوبك +" بالتزامن مع انكماش الإنتاج الأمريكي.
وحدثت الطفرة السعرية الجيدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مع تسجيل مكاسب بنحو 30 في المائة على أثر الإعلان عن التوصل إلى لقاحات جديدة موثوقة ومعتمدة وهو ما دفع الأسعار إلى مستوى أعلى من 50 دولارا للبرميل وتسجيل سبعة أسابيع من المكاسب المتتالية، لكن السلالة الجديدة من الوباء بددت المكاسب في نهاية كانون الأول (ديسمبر).
وركزت التقارير الشهرية لمنظمة أوبك على مدار عام 2020 على متابعة تطورات وضع الطلب في ظل الجائحة مع هيمنة الاتجاه السلبي على توقعات الطلب بسبب صعوبة التعافي في ظل تفاقم ضغوط الوباء والخسائر الفادحة التي ألحقها باستهلاك النفط الخام والوقود.
وشهد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2020 إطلاق التقرير السنوي لتوقعات "أوبك" لعام 2020، الذي شهد لأول مرة هذا العام تمديد فترة توقعات السوق إلى عام 2045 بدلا من عام 2040 وقد شملت أبرز ملامح التقرير توقعات استمرار النفط الخام كمصدر رئيس للطاقة على المدى الطويل، رغم نمو الطلب على مصادر الطاقة المتجددة.
كما توقع التقرير ارتفاع حصة دول "أوبك" من إجمالي إمدادات النفط الخام في العالم من نحو 30 في المائة حاليا إلى نحو 40 في المائة حتى عام 2045 مع تراجع إمدادات الدول من خارج "أوبك" خاصة الإمدادات الأمريكية، كما من المتوقع نمو الطلب على النفط خلال الفترة نفسها بنحو 25 في المائة بقيادة قطاعي البتروكيماويات والنقل.
وأشار تقرير "أوبك" إلى أن الجائحة أدت إلى ارتباكات عدة في توازن العرض والطلب في الأسواق خلال عام 2020، منها زيادة المخزون النفطي العالمي إلى مستويات قياسية.
وأضاف التقرير أنه رغم محاولات تخفيض الإنتاج المستمرة من قبل المنتجين ارتفع مستوى المخزونات النفطية إلى معدلات قياسية، إذ تشير أرقام المخزون لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى ازدياد بنحو 290 مليون برميل، بينما ازداد مخزون الدول النامية بنحو 540 مليون برميل، كما ازداد المخزون على الناقلات البحرية خلال الأشهر التسعة الأولى لعام 2020 بنحو 162 مليون برميل أو نحو زيادة 600 ألف برميل يوميا، مشيرا إلى أن مخزون النفط العالمي منذ بداية العام وحتى نهاية الشهر التاسع زاد نحو مليار برميل، لكن بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) ظهرت مؤشرات على تراجع المخزونات بشكل غير متوقع وهو ما وفر دعما قويا لتعافي الأسعار.
وخلال اجتماع اللجنة الوزارية لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، جددت اللجنة الثقة في الأمير عبدالعزيز بن سلمان رئيسا للجنة بالمشاركة مع ألكسندر نوفاك، الذي تم ترقيته في الشهر نفسه ليكون نائب رئيس الوزراء في روسيا مع الاحتفاظ بقيادة ملف الشراكة مع "أوبك +" وقد تولى مسؤول جديد منصب وزير الطاقة الروسي وهو نيكولاي شولجينوف.
وقد تولت الجزائر رئاسة منظمة أوبك في عام 2020 وقاد الاتصالات عبدالمجيد عطار وزير الطاقة ونجح في التنسيق مع كبار المنتجين وتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف في "أوبك" وخارجها بالتعاون مع سكرتارية "أوبك" بقيادة الأمين العام محمد باركيندو، الذي اتسم بجهود دؤوبة في التواصل مع كل المنتجين رغم قيود السفر وتبني سياسات مرنة وحلول وسطية لتقريب وجهات النظر بين المنتجين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- النفط