«صائد الوحوش» .. تكرار لفشل تحويل الألعاب إلى أفلام
رغم التجارب الفاشلة للأفلام السينمائية المقتبسة عن ألعاب الفيديو ما زالت تشكل عنصر إلهام وجذب عند صناع السينما، الذين دفعتهم غيرتهم من الشعبية العالية لها بين أوساط الجيل الصاعد، والأرباح التي تحققها، التي فاقت في معظم الأحيان عوائد أنجح أفلام هوليوود، إلى الاستمرار في خوض غمار مغامرة تحويل بعض الألعاب الجديدة إلى أفلام سينمائية، ولعل أحدثها وليس آخرها لعبة monster hunter، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سيحظى الفيلم بالشعبية نفسها التي تحظى بها هذه اللعبة؟
الرهان على شعبية الألعاب لتحقيق الأرباحأبى عام 2020 أن يغادرنا بما حمل من أهوال وأمراض وأوبئة وكوارث دون أن يودعنا بأفلام تستند إلى شهرة لعبة، دفعت عشاقها إلى ترقب صدور الفيلم المقتبس منها على أحر من الجمر، إلى أن جاءت الساعة وولد ذلك الفيلم بعد مخاض عسير ترتب عن المرحلة الراهنة وما فرضته جائحة كورونا على القطاعات كافة، ومن ضمنها قطاع السينما الذي عاش مرحلة حرجة جدا، ولقد لاحظنا جميعا أن شركات الإنتاج حاولت أن تطلق أعمالها ظنا منها أنها ستقلل خسائرها، إلا أن إقفال صالات السينما أفشل مساعيها، لكن هل يصح القول عن ولادة هذا الفيلم "إنه تمخض الجبل فأنجب فأرا"؟
مما لا شك فيه أن نتيجة الأعباء التي خلفتها الجائحة وما رافقها من توقف عجلة الاقتصاد، ظُلم كثير من الأفلام السينمائية، لكن طالما كان بعد كل عسر يسر، فلا يأس مع الحياة، وسيبقى الأمل بقعة ضوء للخروج من النفق المظلم. ومن هذا المنطلق سعى منتجو فيلم "صائد الوحوش" monster hunter إلى خوض مغامرة نقل أبطال وشخصيات تلك اللعبة إلى الشاشة الكبيرة.
أفلام مبنية على لعبة
قبل أقل من شهر على أفول نجم 2020 شاهدنا في الصالات السينمائية بدء عرض فيلم "صائد الوحوش"monster hunter المبني على لعبة الفيديو الشهيرة اليابانية التي تحمل الاسم نفسه، وفور معرفتنا بالفيلم، انتابنا شعور الحماس الناتج عن ذكريات لأفلام عديدة شهدناها سابقا بنيت على المنهاج نفسه، مثل فيلم "اسانز كريد" الذي صدر عام 2016، وفيلم "نيد فور سبيد" الذي صدر عام 2014، كذلك فيلم Sonic the Hedgehog الذي صدر بداية العام الحالي، لكن الحماس لم يكتمل بعد مشاهدتنا فيلم "صائد الوحوش"، الذي افتقر إلى كثير من العناصر الأساسية التي من المفترض أن تكون في فيلم أكشن.
معارك مع الوحوش
البداية لم تكن مشجعة، حيث تم إرسال الجندية أرتميس، تلعب دورها ميلا جوفوفيتش، وجنودها الأولياء في مهمة للأمم المتحدة في منطقة مجهولة من الصحراء، هناك تنقلهم بوابة غامضة إلى بُعد آخر، ويحاصرهم وحش يدعى ديابلوس قبل أن ينتهي المطاف بهم في مواجهة وحش من فصيلة أخرى يدعى نيرسيلا، وبعد مرور فترة قصيرة من الفيلم تصبح ميلا هي الفتاة الأخيرة، ثم تتعرف على الصياد الذي يلعب دوره محترف الفنون القتالية الشهير توني جا "أونج باك" الذي يساعدها في القضاء على الوحوش.
حبكة رديئة
لقد حاول المخرج والمؤلف بول دبليو إس آندرسون أن يقدم فيلما يرتكز على التقنيات الإخراجية الحديثة، ونجح إلى حد ما في لفت الأنظار في بعض المشاهد، خاصة مشاهد الوحوش تنهض من الرمال، ومشاهد المعارك التي كانت في بعض الأحيان مبالغا فيها لكنها مقبولة إلى حد ما، إلا أن هذا الأمر لم يلغ رداءة الحبكة والقصة والتسلسل غير الموجود، ومن المتعارف عن آندرسون براعته في الأفلام التي قدمها سابقا، حيث قام بإخراج فيلمي Mortal Kombat عام 1995 وفيلم Resident Evil الأصلي عام 2002، لكن هذا العمل جاء مغايرا ونسف كل ما حققه المخرج من نجاح في أفلامه السابقة.
ماهية الوحوش
تستمر ميلا في معركتها مع الوحوش من دون أن يأتي الفيلم على أي ذكر لماهية هذه الوحوش أو أي معلومة عن تكوينها وكيف يمكن هزيمتها أو القضاء عليها، لكن فقط نرى مجابهة وقتالا، وبعد أن قُتل جميع فريق ميلا، بقيت وحيدة في تلك الصحراء الخالية، وفي هذه الأثناء تعرفت على الصياد أونج، فبدل من أن تتقرب منه بدأت فورا في العراك، واستمرت على هذه الحال لفترات طويلة ومملة، وفجأة دون سابق إنذار يتصالحان ويتحدان في مواجهة الوحوش.
ثغراتاللغة بين ميلا وأونج كانت صعبة، فهو شخص بدائي لا يتكلم الإنجليزية، فكانا يتحاوران بالإشارات إلى أن جاء رئيسه في نهاية الفيلم ليتحدث معها بالإنجليزية، اللغة التي أتقنها لفهم العالم الآخر والتواصل معهم، ما جعلنا نتساءل لماذا لم يأت من قبل ولماذا طلته كانت قليلة جدا؟ أما توني جا فقد ظهر بمظهر البطل الرئيس، وأبدع في أداء الدور، لدرجة تمنينا كمشاهدين أن يكون هو البطل الأساسي للفيلم، خاصة أن اسم الفيلم "صائد الوحوش" وتوني جا كان هو الصياد الفعلي للوحوش، فلماذا لم يكن هو البطل؟!
تطور سلالة الوحش
وفيما خص الوحش، كان في البداية عبارة عن وحش ضخم يمشي تحت الرمال وبعد أن تم القضاء عليه ظهر يمشي فوق الأرض، وكذلك تم القضاء عليه، وفي الختام كان الوحش يطير في السماء، من دون ذكر أي رابط بينها جميعا، هل الوحش يتطور أم هذه سلالات أخرى، فكأن المخرج حاول أن يجمع أفكارا يضعها في مشاهد مرصوفة إلى جانب بعضها بعضا، لكن من يتابع اللعبة يلاحظ مدى مطابقتها للفيلم من دون إدخال أي حبكة، ففي اللعبة نظام القتال ممتع وعميق يكافئ اللاعب الذي يتقن استخدام السلاح المستخدم، إضافة إلى الاختلاف الكبير جدا في أسلوب اللعب لكل سلاح، ما يجعل التغيير بينها يعطي تجربة ممتعة ومختلفة، تماما كما حصل مع ميلا عندما كانت تصوب السلاح بهدف قتل الوحوش، كما استخدمت نظام تطوير الأسلحة خاصة في المعركة الأخيرة، وهو نظام موجود في اللعبة أيضا.
تاريخ لعبة صائد الوحوش
كانت لعبة مونستر هانتر بدأت عام 2018 على جهاز سوني المنزلي البلايستيشن الثاني، وبعد النجاح الذي حققته اللعبة قامت شركة كابكوم بإصدار جزء ثان على الجهاز، وقد راقت فكرة صيد الوحوش للجماهير اليابانية كثيرا، انتقلت السلسلة بعد ذلك بصورة مفاجئة إلى جهاز ننتندو صاحب الشعبية الكاسحة الوي في ظل علاقة متينة بين "كابكوم" و"ننتندو" ونجاحات هائلة حققها هذا الجهاز، ولا ريب في أن هذه الخطوة كانت لها أبعاد اقتصادية أيضا، بعدم رفع تكاليف التطوير آنذاك، خاصة مع التكاليف الباهظة التي تزامنت مع صدور البلايستيشن الثالث من "سوني" بمعالج السيل المتوحش والإكس بوكس 360 من شركة مايكروسوفت والصراع التكنولوجي المحموم بين الشركتين.
المهام الأساسية في اللعبة هي صيد الوحوش، كل وحش في اللعبة هو تجربة جديدة ومخلوق يمتلك مزايا خاصة تميزه عن جميع الوحوش الأخرى، إن كان ذلك على صعيد التصميم، أو التحريك والهجمات التي يمتلكها الوحش، أو القدرات والعناصر إن وجدت، أو حتى العائلة التي ينتمي إليها، إذ إن الوحوش مستوحاة ومستلهمة من عديد من المخلوقات وعائلات الحيوانات والطيور والزواحف وغيرها، بل وحتى المخلوقات الخيالية مثل التنانين أو المخلوقات المنقرضة مثل الديناصورات، "ونحن نذكر إحدى المعارك التي خضناها مع أحد الوحوش الشبيهة بالديناصورات، الذي قمنا بقتاله باستعمال سلاح المطرقة لنقوم بتكسير رأسه تكسيرا، وفي الحقيقة فقد أصابتني الشفقة على الوحش المسكين وأنا أطحن رأسه وآثار الضربات تظهر على جسده حتى خر صريعا، ولو أنني لم أتمكن من قطع ذيله في تلك المعركة لقصر مدى ضربات المطرقة وعدم وصولها إلى الذيل".
وعودة على بدء، إن فيلم "صائد الوحوش" ما هو إلا لعبة عرضت على الشاشة السينمائية لأهداف لن تصب في مصلحة المحتوى القيم الذي من المفترض أن تقدمه الأفلام السينمائية، إلا أنه قد يكون انضم إلى قافلة كثير من الأفلام الرديئة، فانقلب السحر على الساحر، فبدلا من أن تسهم تلك الأفلام في إنقاذ ما تبقى من القطاع وتحقيق الأرباح وإن كانت ضئيلة، لم يفلح، وبالتالي هل التسرع في تقديم أفلام خالية من ترابط درامي وسيناريو جاذب وإخراج قوي قرار صائب، أم أنه سيؤدي بالقطاع إلى الهلاك خاصة في ظل وجود منافسة شرسة من قبل منصات البث التدفقي كـ"نتفليكس" وأخواتها؟