Author

تحدي الإنفاق على البنية الأساسية «2 من 2»

|
تشابه قوي يجمع أطروحة الراحل إدوارد جرامليش رجل الاقتصاد ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق قبل ربع قرن من الزمن، التي تم استعراضها في المقال السابق التي ترى أن أغلب الدول المتقدمة شيدت بالفعل مشاريع البنية الأساسية ذات العائد المرتفع، مع أطروحة روبرت جيه جوردان الخبير الاقتصادي، التي تزعم أن انفجار الأفكار الجديدة المنتجة التي عملت على توليد نمو هائل في القرنين الـ 19 والـ 20 بدأ ينحسر ويفقد زخمه منذ سبعينيات القرن الـ 20. يعتقد بعض خبراء الاقتصاد الكلي بما في ذلك فاليري رامي، خبير الموارد المالية العامة أنه من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كان مستوى رأس المال العام في الولايات المتحدة أدنى من الأمثل.
صحيح أن الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين منحت البنية الأساسية في الولايات المتحدة درجة D+ في الإجمال لعام 2017، لكن بقدر ما يعكس هذا التقييم السلبي الواقع، فإنه راجع في الأرجح إلى نقص الاستثمار في الصيانة والإصلاح، خاصة فيما يتعلق بالجسور، وليس التقاعس عن بناء على سبيل المثال، خط سكة حديدية عالي السرعة بين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو. الواقع: إن المختصين في الموارد المالية العامة يتفقون إلى حد كبير على أن أعمال الصيانة والإصلاح في الاقتصادات المتقدمة توفر أعلى عائد من الاستثمار في البنية الأساسية. هذا بعيد تماما عن الحال في اقتصادات الأسواق الناشئة، حيث تكرس الطبقة المتوسطة المزدهرة حصة كبيرة من دخلها لبند المواصلات.
حتى بعيدا عن الجدوى التكنولوجية والاستحسان، ربما تكون العقبة الأكبر التي تحول دول تحسين البنية الأساسية في الاقتصادات المتقدمة هي أن أي مشروع جديد يتطلب عادة التعامل مع قضايا صعبة تتعلق بحق الطريق، ومخاوف بيئية، واعتراضات من جانب مواطنين منزعجين يمثلون مجموعة متنوعة من المصالح.
اشتهر مشروع الطريق السريع Big Dig في مسقط رأسي في بوسطن في ولاية ماساتشوستس بأنه أحد أكثر مشاريع البنية الأساسية تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة. كان من المتوقع في الأصل أن تبلغ تكلفة المخطط 2.6 مليار دولار، لكن الفاتورة النهائية تضخمت إلى أكثر من 15 مليار دولار، وفقا لبعض التقديرات على مدار 16 عاما من أعمال البناء. لم يكن هذا نتيجة للفساد بقدر ما كان راجعا إلى الاستخفاف بقدرة المساومة التي تتمتع بها مجموعات المصالح العديدة. فقد طلبت الشرطة مدفوعات ضخمة للأجر الإضافي، وطالبت الأحياء المتضررة بعزل الصوت ومدفوعات جانبية، في حين أفضت الضغوط لتوفير فرص العمل إلى زيادة في عدد الموظفين عن الحاجة.
كان بناء نفق المترو Second Avenue في مدينة نيويورك تجربة مماثلة، وإن كان على نطاق أصغر قليلا. وفي ألمانيا افتتح أخيرا مطار برلين براندنبورج الجديد متأخرا بنحو تسعة أعوام عن الجدول الزمني وبتكلفة تجاوزت ثلاثة أمثال تكلفته المقدرة أوليا.
ربما يكون كل هذه المشاريع ذات قيمة جيدة رغم كل شيء، لكن نمط تجاوز التكلفة الذي تسلط عليه الضوء يجب أن يلطف من حدة الرأي القائل: "إن أي مشروع في البنية الأساسية يجب أن يكون فائزا في عصر يتسم بأسعار الفائدة الشديدة الانخفاض". علاوة على ذلك، قد يؤدي الاستثمار غير المدروس في البنية الأساسية إلى إيجاد تكاليف أطول أجلا، من الأضرار البيئية إلى متطلبات الصيانة المفرطة.
لا تزال الحجة لمصلحة زيادة الإنفاق على البنية الأساسية في بيئة اليوم التي تتسم بانخفاض أسعار الفائدة مقنعة، لكن لن يخلو الأمر من احتياج إلى قدر كبير من الخبرة التكنوقراطية للمساعدة على المقارنة بين المشاريع والخروج بتقييمات واقعية للتكلفة. ربما يكون إنشاء بنك وطني للبنية الأساسية على طريقة المملكة المتحدة، وهي فكرة اقترحها باراك أوباما الرئيس الأمريكي السابق أحد الأساليب المعقولة. في غياب ذلك، من المرجح أن يتحول الاندفاع الأخير في التحمس لمشاريع البنية الأساسية إلى فرصة مهدرة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.
إنشرها