Author

أرباح مهولة يجنيها وسطاء الأسهم المرخصون

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

نسبة صافي ربح شركات الوساطة العاملة في المملكة تحت إشراف هيئة السوق المالية تبلغ 46 في المائة من إيرادات هذه الجهات، حيث بلغت أرباحهم جميعا في الربع الثالث من هذا العام 873 مليون ريال من إيرادات بلغت 1,9 مليار ريال.
هل هناك ما يبرر هذه الأرباح؟ وهل هي مستحقة مقابل ما يقدم من خدمات؟ ومن أين تأتي هذه الإيرادات؟ وهل مثل هذه الأرباح طبيعية مقارنة بالدول الأخرى؟ هذا وتساؤلات منطقية أخرى أطرحها في هذه المقالة.
لمساعدة القارئ على إدراك معنى أن تكون نسبة صافي الربح لأي منشأة 46 في المائة، دعونا نستكشف نسبة صافي الربح لبعض الشركات الكبيرة ذات الربحية العالية في سوق الأسهم السعودية للربع الثالث من هذا العام: شركة الاتصالات السعودية 19 في المائة، شركة المراعي 16 في المائة، شركة جرير 12,5 في المائة، شركة سابك 5.6 في المائة، التعاونية للتأمين 7.1 في المائة.
ولتكن أرباحهم بهذا الشكل، ما المشكلة؟ المشكلة أن هذه الأرباح المهولة ناتجة بشكل رئيس عن النسبة العالية التي يستقطعونها من متداولي الأسهم التي مع الأسف تتم بإشراف هيئة السوق المالية. وفي المقابل تأتي هذه الأرباح المهولة مقابل خدمات رديئة ووسائل تقنية ضعيفة من قبل شركات الوساطة وشركة تداول على حد سواء. وسنأتي للتفاصيل في بقية المقالة.
هل نسبة عمولة تداول الأسهم في المملكة عالية؟
الحقيقة: إن العمولة التي سمحت بها هيئة السوق المالية عالية جدا من عدة جوانب، أهمها أنه تم رفع النسبة عام 2016، بدلا من خفضها كما يجب، فأصبحت بحد أقصى 15,50 ريال مقابل كل عملية بيع أو شراء قيمتها عشرة آلاف ريال. ولتبسيط الفكرة لنتمكن من الخروج بمقارنة عادلة، نفترض أن شخصا يشتري ويبيع بمبلغ مليون ريال، فتكون عمولته نحو 1800 ريال، وهذه العمولة لا سقف لها، رغم أن التكلفة الفعلية لإتمام عملية البيع لا تتأثر بحجم الصفقة، كونه لا يوجد فارق بين شراء 100 سهم أو 100 ألف سهم من خلال الوسائل الإلكترونية، فضلا عن أن العمولة تؤخذ من المشتري والبائع.
ولتكن العمولة بهذا الشكل، أليست هذه طبيعة عمولات الأسهم؟
كلا، هذه ليست طبيعة عمولات الأسهم، ولنبدأ بالأسواق الأوروبية والأمريكية، حيث يوجد هناك نوعان من الوسطاء: وسيط الخدمة الإلكترونية ووسيط الخدمة الشاملة. بالنسبة لوسطاء الخدمة الإلكترونية فالعمولة بشكل عام تراوح لديهم بين صفر ريال ونحو 40 ريالا، وهذا مبلغ ثابت ليست له علاقة بحجم الصفقة. أما وسطاء الخدمة الشاملة فهؤلاء يقدمون خدمات خاصة للعميل تشمل الاستشارة المالية وموازنة المحفظة وعمل التوصيات المباشرة، إلى جانب فتح مركز الأبحاث بشكل كامل أمام العميل، وتتم خدمتهم غالبا وجها لوجه أو من خلال الهاتف. وغني عن القول: إنه لا يوجد لدينا هذا النوع من الوسطاء، لكن للمعلومية فقط تراوح عمولة هؤلاء الوسطاء بين 1 و2 في المائة من قيمة محفظة العميل وتستقطع بشكل سنوي. أي لو كانت هذه الخدمة موجودة لدينا، فتكون تكلفتها على العميل الذي يتداول بمحفظة قيمتها مليون ريال بين عشرة آلاف و20 ألف ريال سنويا، وتدار غالبا المحفظة بالتعاون بين الطرفين.
عندما تطرقت لموضوع العمولة في أوقات سابقة تفاجأت أن كثيرا من المتداولين لا يعون التكلفة الحقيقية للعمولة، حيث يشير بعضهم إلى أن عمولة العقار 2,5 في المائة وهذا يعادل نحو 20 ضعف عمولة الأسهم، وبالتالي فإن عمولة الأسهم ضئيلة جدا، الخلل في هذا المفهوم أن عمولة العقار ربما تدفع مرة واحدة في العمر أو مرة أو مرتين في العام لمعظم الناس، بينما عمولة الأسهم للمضارب قد تتكرر يوميا أو ربما مرتين أو ثلاثا أسبوعيا.
لإيصال فكرة تعاظم تكلفة العمولة على الشخص نعود للمتداول الذي يشتري ويبيع بمحفظة قيمتها مليون ريال، وليكن هذا المضارب يقوم بعملية واحدة يوميا - للمعلومية هناك مضاربون يقومون بعدة عمليات في اليوم الواحد. فإذا كانت العمولة 1800 ريال مقابل كل عملية، فستكون عمولات هذا الشخص بنهاية العام نحو 500 ألف ريال.
لكن لنكن منصفين، بعض الوسطاء يمنحون تخفيضات قد تصل إلى 50 في المائة للمتداولين النشطين، فبهذه الحالة ستكون العمولة في مثالنا هذا نحو 250 ألف ريال في العام لمحفظة قيمتها نحو مليون ريال. هذا خلل كبير يصعب تبريره.
بل دعونا نحاول تبرير ذلك، ولنكن منصفين لوسطائنا ولشركة تداول ولهيئة السوق المالية الموقرين. أليست عمولة التداول في دول الخليج أعلى من السعودية؟
الحقيقة: إن عمولة التداول في دول الخليج بالفعل أعلى منها في السعودية. إذن ما الخلل في عمولتنا؟ الخلل هو أنه لا توجد مقارنة بين كميات التداول اليومية في السوق السعودية والأسواق الخليجية نهائيا، وهذا مصدر الخلل في وضع نسبة العمولة.
بلغ متوسط حجم التداول اليومي في السوق السعودية للأشهر الستة الماضية نحو عشرة مليارات ريال يوميا، بينما نجد المتوسط في دول الخليج ومصر كما يلي: دبي 200 مليون ريال، أبو ظبي 400 مليون ريال، الكويت 150 مليون ريال، عمان 40 مليون ريال، ومصر 300 مليون ريال، أي: إن متوسط حجم التداول في المملكة يصل إلى نحو 50 ضعف متوسط التداول في دبي، وهكذا. لذا فعندما تكون عمولة التداول في هذه الدول قريبة من عمولة السعودية فهو أمر مفهوم كون أنه لا بد من تحصيل حد معين من إيرادات العمولة لتغطية تكاليف تقديم الخدمة في هذه الدول.
لكن قد تكون جودة الخدمة المقدمة في المملكة أعلى منها في الدول الأخرى؟
إن تركنا الأخطاء الفنية وتعثر الأنظمة لدى بعض الوسطاء جانبا فسنجد أن الخدمات المقدمة شحيحة ومتواضعة في كثير من الأحيان، ويكفي الإشارة إلى أن شركة تداول ذاتها لا تقدم أسعارا مباشرة لزوار موقع تداول - تكون متأخرة على الأقل 15 دقيقة -، وهو أمر غريب كون المفترض على الأقل من باب جذب الزوار إلى الموقع أن تقدم مثل هذه الخدمة البسيطة. الأمر والأدهى من ذلك أن جميع الوسطاء لا يقدمون أسعارا مباشرة لعملائهم، بل تأتي برسوم إضافية، حتى وقت إتمام عملية الشراء أو البيع من قبل العميل لا يريه الوسيط السعر الحقيقي، بل يريه أسعارا قديمة.
خلاصة القول: إن أسعار العمولة بحاجة إلى التفاتة جادة لمعالجة وضعها غير السوي، وعلى المتداولين إدراك التكلفة الحقيقية للعمولة، التي بالمناسبة من كل 15.50 ريال عمولة تذهب خمسة ريالات فقط للهيئة و”تداول” ويذهب 10,50 ريال للوسيط.

إنشرها