Author

قراءة في ميزانية 2021

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
أقر مجلس الوزراء أمس برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز ميزانية العام المالي المقبل 1442 – 1443 الموافق 2021. يتوقع أن تبلغ الإيرادات نحو 850 مليار ريال، والنفقات نحو تريليون ريال. وللمقارنة، فإن آخر تقدير لإيرادات العام الحالي هو نحو 770 مليار ريال ونفقات تزيد على الإيرادات أي عجز بنحو 300 مليار ريال.
الميزانية أعدت تحت ظل إصلاحات هيكلية، خلاصتها العمل على خفض العجز مع مرور الأعوام وزيادة مشاركة القطاع الخاص، وتحسين كفاءة الإنفاق العام والعمل على تحقيق برامج الرؤية وتأمين الحماية الاجتماعية.
يحوي بيان الميزانية أهم تطورات أداء المالية العامة في العام الجاري والتطورات الاقتصادية المحلية والدولية المؤثرة في المالية العامة. ثم يستعرض المستهدفات والمؤشرات للعام المقبل والمستقبل القريب. ويستعرض البيان أهم المبادرات والخطط المنوي تنفيذها في العام المقبل وعلى المدى المتوسط تحت "رؤية 2030".
ميزانية 2021 هي خامس ميزانية تعد وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014. وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل نحو 20 عاما، مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة.
ويجيء بيان الميزانية بعد مرور نحو تسعة شهور على ظهور انتشار عالمي لتأثيرات حادة لفيروس كورونا. طالت التأثيرات مختلف جوانب الاقتصاد العالمي واقتصاد كل دولة، ومنها اقتصاد بلادنا بطبيعة الحال. والعلامات واضحة على حدوث انكماش قوي هذا العام. ويقدر انخفاض النمو بنحو 4 في المائة هذا العام. ويتوقع عودة النمو في العام المقبل فصاعدا، تراوح بين 3 إلى 5 في المائة.
لا شك أن أزمة كورونا أثرت في الميزانية. حجم العجز كبير نسبيا هذا العام، نظرا لانخفاض الإيرادات تأثرا بانخفاض النشاط الاقتصادي دوليا ومحليا، وبالنظر إلى التزام الحكومة بمستويات إنفاق تخفف من أثر الأزمة، وتسهم في تنفيذ برامج الرؤية بأعلى ما يمكن. لكن العجز مخطط له أن يتناقص كثيرا في الأعوام اللاحقة.
هناك وبوضوح انخفاض تدريجي في مساهمة الإيرادات النفطية إلى مجموع الإيرادات. فمثلا، كانت نسبتها نحو 70 في المائة قبل ثلاثة أعوام، لكنها انخفضت بالتدريج لتصل نحو النصف هذا العام. وسياسة الدولة والرؤية تقومان على خفض نصيب الإيرادات النفطية تدريجيا مع الوقت، وتنويع مصادر التمويل، وتنويع مصادر سد العجز. ويساعد على تحقيق ذلك توقعات حصول تحسن في الأسواق والنشاط الاقتصادي عامة. لكن من المهم الإشارة إلى أن زيادة الإيرادات غير النفطية بعضها لنمو في الناتج غير النفطي وبعضها ليس بالضرورة نتيجة نمو هذا الناتج.
الإيرادات غير النفطية خمسة أنواع: الأول الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية. والثاني الضرائب على السلع والخدمات وأهمها ضريبة القيمة المضافة. والثالث الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية. والرابع الزكاة وضرائب أخرى. والخامس الإيرادات الأخرى.
وقد زادت الإيرادات غير النفطية تدريجيا خلال أرباع العام الحالي. فمثلا خلال الأرباع الثلاثة الأولى، إيرادات النوع الأول زادت من أربعة إلى سبعة مليارات. والثاني زادت من 31 إلى 52 مليارا. والثالث زادت قليلا من أربعة إلى أربعة ونصف المليار. والرابع زادت من مليارين إلى 12 مليارا. والخامس الإيرادات الأخرى زادت من 23 إلى 48 مليارا.
ومن حيث المجموع، بلغت الإيرادات غير النفطية نحو 300 مليار العام الماضي. ومقدر أن تبلغ نحو 360 مليارا هذا العام، ونسبة الزيادة متفاوتة بين الأنواع. ويلحظ أن الزيادة في النوع الثاني الضرائب على السلع والخدمات كانت تقارب 40 في المائة، رغم أن زيادة ضريبة القيمة المضافة كانت 200 في المائة. وحصول هذا متوقع مسبقا نظرا لارتفاع الأسعار.
من جهة أخرى، أطلقت الحكومة عدة مبادرات تحفيز لتقليل أضرار آثار الجائحة. ومن هذه المبادرات إعفاء وتأجيل في سداد ضرائب ورسوم.
هناك حالة مرتفعة من عدم اليقين تبعا للجائحة. ومن ثم كانت هناك مراجعة لأولويات الإنفاق. وتسعى الدولة إلى تقوية كفاءة الإنفاق، مع مرونة كافية للتعامل مع المتغيرات. وتقدر نفقات العام المقبل بنحو تريليون (ألف مليار) ريال. والمجال المتاح لا يسمح بإعطاء مزيد تفاصيل.
العجز والدين العام
شهد عجز الميزانية انخفاضا في العامين الماضيين. لكن الأوضاع فرضت ارتفاعه هذا العام، من نحو 133 مليارا العام الماضي إلى نحو 300 مليارا هذا العام. وسيرتفع بنسبته إلى الناتج المحلي من نحو 5 في المائة في العام الماضي إلى نحو 12 هذا العام. ويقدر بيان الميزانية التمهيدي انخفاض العجز إلى نحو 150 مليارا العام المقبل، ثم إلى نحو 100 مليار العام الذي يليه.
أما الدين العام فتبلغ نسبته إلى الناتج المحلي الثلث تقريبا هذا العام. ومتوقع انخفاضها انخفاضا بسيطا على المدى المتوسط. ويشير بيان الميزانية إلى أن الدولة تستهدف بناء استراتيجية دين عام تقوم على تنويع أدوات سداده من جهة، والبحث عن منهجيات تمويل جديدة بما يمكن تسميته التمويل الحكومي البديل. ويفهم من ذلك العمل على تحول بعض أجهزة الدولة في عملها إلى أسلوب عمل شركات أو مشابه له.
توضيحات وأهداف
جرى الاهتمام بتوضيح العوامل المؤثرة في تقديرات الميزانية بجوانبها، الإيرادات، النفقات، والعجز. أهم هذه العوامل أداء سوق النفط وتطورات الاقتصاد العالمي وتطبيق برامج وإصلاحات مؤدية إلى مزيد كفاءة وترشيد ومحاربة فساد وزيادة الحماية الاجتماعية خاصة للفئات الأكثر احتياجا من المواطنين، وزيادة مساهمة القطاع الخاص. وكل هذا تحت هدف تحقيق استدامة مالية. وأنشئ مركز تنمية الإيرادات غير النفطية ومركز تحقيق كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي للمساهمة في تحقيق هدف الاستدامة. وهناك مشروع للتحول إلى المحاسبة المبنية على أساس الاستحقاق.
ومن المهم أن يعرف أنه لا يمكن تطبيق سياسة خالية من العيوب. ومن ثم ينبغي النظر إلى الحصيلة الصافية.
إنشرها