هل يبطل اللقاح «سحر» كورونا؟
بالأمس بدأ في بريطانيا استخدام اللقاح المضاد لكورونا، ويكون بذلك هو اليوم الأول للقاح الذي طال انتظاره رغم أن تطويره لم يستغرق طويلا في أعراف صناعة تطوير اللقاحات. كيف سيكون تأثير ذلك في الاقتصادات؟ له تأثير لكنه بالقطع لن يكون تأثيرا سحريا، لأسباب عدة أحدها أن اللقاح سيستغرق وقتا حتى يغطي الشرائح المستهدفة كافة، كما أن الشخص قد يحتاج إلى أكثر من جرعة بفارق زمني بينهما. إذا أمامنا زمن للانتظار. أما العامل الآخر فهو أن هناك من يشكك في سلامة اللقاح ليس بالضرورة على أساس علمي، ولكن من الإصغاء إلى مقاطع تسقط اللقاح، وبالمقابل وجدنا أن ملكة بريطانيا قررت أن تأخذ الجرعة أمام الكاميرا لتشجع مواطنيها وتطمئنهم، وبالقطع فعديد من القادة والمؤثرين سيأخذون منحى مباشرا لكسر الهجمة على اللقاح من حيث الفاعلية والسلامة.
وكأي أمر مستجد ستحدث جلبة ثم ما تلبث أن تنقضي، ولقاح كورونا لن يخرج عن ذلك النسق. أما الأمر الذي علينا الالتفات له، هو أن الكثرة من الناس في أنحاء المعمورة تتطلع إلى وصول اللقاح، فهو ما سيعني بث الطمأنينة بما يعيد الحياة لطبيعتها بأن تنقضي الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، فهي المؤثر الأساس في مجموعة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. فاللقاح هو أشبه ما يكون بالمنقذ لصناعة السفر عالميا، التي تقلصت بأكثر من 50 في المائة جراء الجائحة، والضرر الذي تلقته بالغ لدرجة أنها قد لا تستعيد عافيتها أبدا مقارنة بما كانت عليه قبل الجائحة. ليس في ذلك مبالغة، فقد اضطرت الجائحة الناس - حتى يتجنبوا التلاقي الاجتماعي - إلى استبدال السفر للتواصل عبر المنصات، مثل زووم وتييم ووبكس. ولا بأس في ذلك، عدا أن هذا سيعني أنماطا جديدة للاستعاضة عن السفر غير الضروري بالتلاقي عن بعد سواء للتزاور الاجتماعي أو للتباحث المهني وللقاءات التجارية والعلمية والرسمية. ولذلك لن تعود صناعة السفر كما كانت حتى بعد انتشار اللقاح. ولا يعني هذا أنها إلى اضمحلال، بل يعني أن مكوناتها وحصصها ستختلف، فمثلا سيكون الإقبال أكبر على السفر لأغراض السياحة والترفيه والترويح، وسط تراجع السفر لأغراض حضور المؤتمرات والندوات والاجتماعات، إلا ما تطلبه دواعي أمنية أو ضرورات تفحص منتجات أو معدات أو برامج تدريب وتأهيل طويلة نسبيا.
النقطة أن اللقاح ليس بلسما للواقع الاقتصادي الجديد حتى يعيده لما كانت عليه الأحوال قبل عام. فقد أتى اللقاح ولكن بعد أن ذهبت كورونا بواقع كنا نمارسه اعتيادا، وكشفت لنا أن ثمة خيارات أخرى متاحة لإخراجنا مما وضعتنا فيه كورونا. جربناها فمحت في أشهر ما مارسناه لأعوام وعقود. وستذهب كورونا تاركة لمساتها على جوانب من حياتنا.