Author

دورة الكربون وفهم تغير المناخ

|
لقد تغير العالم كثيرا في الـ 1000 عام الماضية، لكن خلال معظم تلك الفترة ظل شيء واحد على حاله لم يتغير، وهو كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. لكن في أواخر القرن الـ 18 بدأت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الصعود، ثم شهدت ارتفاعا حادا في القرن الـ 20 مسجلة قراءات لم تشاهد في الطبيعة من قبل على مدى ملايين الأعوام، وتعد الزيادة في كربون الغلاف الجوي أكبر مساهم في ظاهرة تغير المناخ. والسبيل الأساس لعكس هذا الضرر هو استعادة دورة الكربون ذات التوازن رفيع المستوى.
تعرف الطريقة التي يتنقل من خلالها الكربون في كوكب الأرض بدورة الكربون. وتتكون هذه الدورة من مصادر ينبعث منها الكربون في الغلاف الجوي، وأحواض امتصاص تسحب الكربون من الغلاف الجوي. ويكاد الجانب البيولوجي لدورة الكربون يلامس الكمال، فعندما تتنفس الحيوانات - على سبيل المثال - ينبعث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ثم تقوم النباتات والبكتيريا والطحالب بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أثناء عملية التمثيل الضوئي، وهي العملية التي تستخدمها هذه الكائنات لتوليد الطاقة الكيميائية. أما المحيطات فهي مصادر انبعاث وأحواض امتصاص لثاني أكسيد الكربون في الوقت ذاته، حيث يتم دوما امتصاص ثاني أكسيد الكربون إلى المحيطات، ويتم إطلاقه من المحيطات بالمعدل نفسه تقريبا. أي: إن نظام الكوكب يوازن نفسه بشكل طبيعي. وفي حال تم سحب مزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى المحيط الحيوي، فستتم إعادة مزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وإذا ارتفع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن المستويات التي تمتصها المحيطات والنباتات سترتفع أيضا، في ظل ظاهرة يطلق عليها العلماء التوازن الديناميكي. لكن قبل قرون معدودة فقد كوكبنا هذا التوازن الديناميكي.
عندما تموت الكائنات الحية يدفن قدر من الكربون المخزن داخلها تحت الأرض ويمنع من العودة إلى الغلاف الجوي. وعلى مدى مئات الملايين من الأعوام ظل هذا الكربون الأحفوري في الأغلب مكنونا حتى بدأ البشر استخراجه وحرقه كوقود. أما اليوم فقد أصبح الوقود الأحفوري يدخل 9.5 مليار طن إضافي من الكربون إلى الغلاف الجوي. وتأتي هذه الكمية الإضافية من الكربون من كل من البنزين الذي يصب في جميع السيارات في مدن العالم كافة، ومن الفحم الذي يرسل إلى جميع محطات الطاقة في مختلف الدول في العالم، ومن الغاز الذي يتم حرقه في جميع المواقد في العالم بأسره.
ويتم امتصاص ما يقرب من نصف هذا الكربون الإضافي الناتج عن الوقود الأحفوري بواسطة أحواض الكربون الأرضية، لكن البقية التي تصل إلى الغلاف الجوي تحبس الحرارة وتؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وقد كان لهذا الأمر تأثير مدمر في مناخ العالم، كما أنه أثر سلبا في كيفية عمل أحواض الكربون.
ومن هنا أصبحت الأمور معقدة ومخيفة، فمع تغير درجة الحرارة تتغير البيئة وقد لا يكون ذلك جيدا لأحواض الكربون. ومثال ذلك أن في المحيطات تمتص المياه الأبرد مزيدا من ثاني أكسيد الكربون، لكن مع ارتفاع درجة حرارة المحيطات تنخفض قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
لقد ألحق النشاط البشري ضررا هائلا بدورة الكربون الأرضية ذات التوازن رفيع المستوى. لكن هذا الضرر ليس قطعيا لا رجعة فيه، إلا أن البشر فقط هم من يستطيعون إصلاحه. وأول شيء يجب أن نفعله إذا كنا نرغب في إعادة دورة الكربون إلى توازنها المستقر هو التوقف عن التدخل فيها، ما يعني تقليل الانبعاثات البشرية من الوقود الأحفوري بأسرع ما يمكن. حتى لو توقفت البشرية عن استخدام الوقود الأحفوري حيث أصبحت انبعاثات الكربون صفرية، فإن كربون الغلاف الجوي لن يرتد إلى مستويات ما قبل الثورة الصناعية، بل سيتوقف عن الارتفاع فحسب.
ولخفض مستويات كربون الغلاف الجوي، يحتاج البشر إلى بناء أنظمة يكون من شأنها إما إنشاء أحواض جديدة، أو تعظيم آثار أحواض قديمة، فيما يعرف باسم مخططات الانبعاثات السلبية. ومن أمثلة تعظيم آثار الأحواض القديمة العمل على استعادة غابة متدهورة، أو تغيير طريقة تشغيل المراعي، حيث تخزن التربة مزيدا من الكربون. ومن أمثلة إنشاء أحواض جديدة نشر أجهزة تعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وضخه مرة أخرى في باطن الأرض، فيما يعرف باسم الالتقاط الجوي المباشر. وفي هذه العملية تمتص الأنظمة الميكانيكية ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ثم يخزن الكربون تحت الأرض أو يعاد استخدامه في صنع الوقود على سبيل المثال. وتعمل مخططات الانبعاثات السلبية التي يتم تطويرها اليوم على نطاق ضيق للغاية. حتى يكون لهذه المخططات تأثير إيجابي دائم، يجب أن يتغير الهيكل الاقتصادي العالمي بشكل جذري، فيما يشبه إدارة صناعة الوقود الأحفوري بأكملها في الاتجاه المعاكس.
لا شك أن في مرحلة ما سيتوقف البشر عن حرق الوقود الأحفوري إما اختيارا أو جبرا. وبحلول ذلك الوقت سيبدو العالم مختلفا تماما عما هو عليه الآن. وكما استغرق الأمر بضع مئات من الأعوام لتدمير التوازن الديناميكي لدورة الكربون، فسيستغرق عدة مئات أخرى لاستعادة ذلك التوازن.
إنشرها